(فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) من الطائفتين اليهود والنصارى على أن المراد بالكتاب جنسه الشامل للتوراة والإنجيل والكلام على ظاهره ، وقيل : هو على حذف مضاف أي آتيناهم علم الكتاب (يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالكتاب الذي أنزل إليك ، وقيل : الضمير له صلى الله تعالى عليه وسلم وهو كما ترى ، والمراد بهم في قول من تقدم عهد النبي صلى تعالى عليه وسلم من أولئك حيث كانوا مصدقين بنزول القرآن حسبما علموا مما عندهم من الكتاب ، والمضارع لاستخصار تلك الصورة في الحكاية وتخصيصهم بإيتاء الكتاب للإيذان بأن ما بعدهم من معاصري رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد نزع عنهم الكتاب بالنسخ ، وفي قول آخر معاصروه عليه الصلاة والسلام العاملون بكتابهم من عبد الله بن سلام وأضرابه ، وتخصيصهم بإيتاء الكتاب لما أنهم هم المنتفعون به فكأن من عداهم لم يؤتوه ، قيل : هذا يؤيد القول : بأن الآيات المذكورة مدنية إذ كونها مكية وعبد الله ممن أسلم بعد الهجرة بناء على أنه إعلام من الله تعالى بإسلامهم في المستقبل ، والتفصيل باعتبار الإعلام بعيد جدا ، وجوز الطبرسي أن يراد بالموصول المسلمون من هذه الأمة وضمير (بِهِ) للقرآن ، ولا يخفى ما فيه ، ولعل الأظهر كون المراد به علماء أهل الكتابين الحريون بأن ينسب إليهم إيتاء الكتاب كعبد الله بن سلام ، وأضرابه ، ولا بعد في كون الآيات مكية بناء على ما سمعت ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إيمانهم به مترتب على إنزاله على الوجه المذكور (وَمِنْ هؤُلاءِ) أي ومن العرب أو من أهل مكة على أن المراد بالموصول عبد الله ، واضرابه ، أو ممن في عصره صلى الله تعالى عليه وسلم من اليهود والنصارى على أن المراد به من تقدم (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أي بالكتاب الذي أنزل إليك ، (وَمِنْ) على ما استظهره بعضهم تبعيضية واقعة موقع المبتدأ وله نظائر في الكتاب الكريم (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) أي (وَما يَجْحَدُ) به ، وأقيم هذا الظاهر مقام الضمير للتنبيه على ظهور دلالة الكتاب على ما فيه وكونه من عند الله عزوجل ، والإضافة إلى نون العظمة لمزيد التفخيم ، وفيما ذكر غاية التشنيع على من يجحد به.
والجحد كما قال الراغب : نفي ما في القلب ثباته وإثبات ما في القلب نفيه ، وفسر هنا بالإنكار عن علم فكأن قيل : وما ينكر آياتنا مع العلم بها (إِلَّا الْكافِرُونَ) أي المتوغلون في الكفر المصممون عليه فإن ذلك يمنعهم عن الإقرار والتسليم ، وقيل : يجوز أن يفسر بمطلق الإنكار ، ويراد بالكافرين المتوغلون في الكفر أيضا لدلالة فحوى الكلام ، والتعبير بآياتنا على ذلك أي وما ينكر آياتنا مع ظهورها وارتفاع شأنها إلا المتوغلون في الكفر لأن ذلك يصدهم عن الاعتناء بها والالتفات إليها والتأمل فيها يؤديهم إلى معرفة حقيقتها ، والمراد بهم من اتصف بتلك الصفة من غير قصد إلى معين ، وقيل : هم كعب بن الأشرف ، وأصحابه.
(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ) أي وما كنت من قبل أنزلنا إليك الكتاب تقدر على أن تتلو (مِنْ كِتابٍ) أي كتابا على أن (مِنْ) صلة (وَلا تَخُطُّهُ) ولا تقدر على أن تخطه (بِيَمِينِكَ) أو ما كانت عادتك أن تتلوه ولا تخطه ، وذكر اليمين زيادة تصوير لما نفى عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من الخط فهو مثل العين في قولك : نظرت بعيني في تحقيق الحقيقة وتأكيدها حتى لا يبقى للمجاز مجاز (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط أو ممن يعتادهما لارتاب مشركو مكة وقالوا : لعله التقطه من كتب الأوائل ، وحيث لم تكن كذلك لم يكن لارتيابهم وجه ، وكأن احتمال التعلم مما لم يلتفت إليه لظهور أن مثله من الكتاب المفصل الطويل لا يتلقى ويتعلم إلا في زمان طويل بمدارسة لا يخفى مثلها ، ووصف مشركي مكة بالإبطال باعتبار ارتيابهم وكفرهم وهو عليه الصلاة والسلام أمي فكأنه قيل : إذن لارتاب هؤلاء المبطلون الآن وكان إذ لارتيابهم وجه ، وقيل : وصفهم بذلك باعتبار ارتيابهم ، وهو صلى الله تعالى عليه وسلم أمي وباعتبار ارتيابهم وهو عليه الصلاة والسلام ليس بأميّ أما كونهم مبطلين