باليمين أو توبيخ وتفضيح وتهكم بهم فتأمل (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) الذي كنتم توعدون في الدنيا والفاء فصيحة كأنه قيل : إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه أي فنخبركم أنه قد تبين بطلان إنكاركم وجوز أن تكون عاطفة والتعقب ذكرى أو تعليلة (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أنه حق لتفريطكم في النظر فتستعجلون به استهزاء ، وقيل : لا تعلمون البعث ولا تتعرفون به فلذا صار مصيركم إلى النار.
وقرأ الحسن «البعث» بفتح العين فيهما ، وقرئ بكسرهما وهو اسم والمفتوح مصدر ، وفي الآية من الدلالة على فضل العلماء ما لا يخفى (فَيَوْمَئِذٍ) أي إذ يقع ذلك من أقسام الكفار وقول أولي العلم لهم (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) أي عذرهم.
وقرأ الأكثر «تنفع» بالتاء محافظة على ظاهر الأمر للفظ وإن توسط بينهما فاصل (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) الاستيعاب طلب العتبى وهي الاسم من الإعتاب بمعنى إزالة العتب كالعطاء والاستعطاء أي لا يطلب منهم إزالة عتب الله تعالى ، والمراد به غضبه سبحانه عليهم بالتوبة والطاعة فإنه قد حق عليهم العذاب وإن شئت قلت : أي لا يقال ارضوا ربكم بتوبة وطاعة كما كان يقال لهم ذلك في الدنيا ، وقيل : أي لا يستقيلون فيستقالون بردهم إلى الدنيا.
وقال ابن عطية : هذا إخبار عن هول يوم القيامة وشدة أحواله على الكفرة بأنهم لا ينفعهم الاعتذار ولا يعطون عتبى وهي الرضا (يُسْتَعْتَبُونَ) بمعنى يعتبون كما تقول يملك ويستملك والباب في استفعل أنه طلب الشيء وليس هذا منه لأن المعنى يفسد إذ كان المفهوم منه ولا يطلب منهم عتبى انتهى ، فجعل استفعل بمعنى فعل.
وحاصل المعنى عليه على ما في البحر هم من الإهمال وعدم الالتفات إليهم بمنزلة من لا يؤهل للعتب ، وقيل : المعنى عليه هم لا يعاتبون على سيئاتهم بل يعاقبون ، وما ذكرناه أولا هو الذي ينبغي أن يعول عليه ، ويا ليت شعري أين ما ادعاه ابن عطية من الفساد إذا كان المفهوم منه لا يطلب منهم عتبى على ما سمعت.
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي وبالله تعالى لقد وصفنا للناس من كل صفة كأنها مثل في غرابتها وقصصنا عليهم كل صفة عجيبة الشأن كصفة المبعوثين يوم القيامة وما يقولون وما يقال لهم وما لا ينفع من اعتذارهم ولا يسمع من استعتابهم ، فضرب المثل اتخاذه وصنعه من ضرب الخاتم واللبن.
والمثل مجاز عن الصفة الغريبة ، والمراد بهذا القرآن إما هذه السورة الجليلة الشأن أو المجموع وهو الظاهر ، و (مِنْ) تبعيضية وجوزت الزيادة وقيل : المعنى وبالله تعالى لقد بينا للناس من كل مثل ينبئهم عن التوحيد والبعث وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، فضرب بمعنى بين والمثل على أصله ، وقيل : بمعنى الدليل العجيب والقرآن بمعنى المجموع (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) أي مع ضربنا لهم من كل مثل في هذا القرآن الجليل الشأن لئن جئتهم بآية من آياته (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) لفرط عتوهم وعنادهم وقساوة قلوبهم مخاطبين لك وللمؤمنين (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) أي مزورون ، وجوز حمل الآية على المعجزة أي لئن جئتهم بمعجزة من المعجزات التي اقترحوها ليقولن الذين كفروا إلخ ، والإتيان بالموصول دون الضمير لبيان السبب الحامل على القول المذكور ، وإذا أريد بالناس ما يعم الكفرة غيرهم فوجه الإظهار ظاهر ، وتوحيد الخطاب في (جِئْتَهُمْ) على ما يقتضيه الظاهر ، وأما جمعه في قولهم : (إِنْ أَنْتُمْ) فلئلا يبقى بزعمهم له عليه الصلاة والسلام شاهد من المؤمنين حيث جعلوا الكل مدعين ، وقال الإمام : في توحيد الخطاب في (جِئْتَهُمْ) وجمعه في (أَنْتُمْ) لطيفة وهي أن الله تعالى قال : إن جئتهم بكل آية جاءت بها الرسل عليهمالسلام ويمكن أن يجاء بها يقولوا : أنتم كلكم أيها المدعون للرسالة مبطلون انتهى ، ولا يخفى أن ما ذكرناه أحسن وألطف (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الطبع الفظيع ، وجوز أن يكون المعنى مثل ذلك القول (يَطْبَعُ) أي يختم (اللهُ) الذي