وفي السنن عن ابن مسعود قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل» ، وأخرج عنه نحوه ابن أبي الدنيا ورواه عن أبي هريرة ، والديلمي عنه وعن أنس وضعفه ابن القطان ، وقال النووي لا يصح ، وقال العراقي : رفعه غير صحيح لأن في إسناده من لم يسم وفيه إشارة إلى أن وقفه على ابن مسعود صحيح وهو في حكم المرفوع إذ مثله لا يقال من قبل الرأي. وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله تعالى إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك» وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي عثمان الليثي قال : قال يزيد بن الوليد الناقص : يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا ، وقال الضحاك : الغناء منفدة للمال مسخطة للرب مفسدة للقلب ، وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، والترمذي ، وابن ماجة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وغيرهم عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) إلى آخر الآية» وفي رواية ابن أبي الدنيا ، وابن مردويه عن عائشة قالت : «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إن الله تعالى حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها ثم قرأ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) ويعود هذا ونحوه إلى ذم الغناء.
وقيل : الغناء جاسوس القلب وسارق المروءة والعقول يتغلغل في سويداء القلوب ويطلع على سرائر الأفئدة ويدب إلى بيت التخييل فينشر ما غرز فيها من الهوى والشهوة والسخافة والرعونة فبينما ترى الرجل وعليه سمت الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار العلم كلامه حكمة وسكوته عبرة فإذا سمع الغناء نقص عقله وحياؤه وذهبت مروءته وبهاؤه فيستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه ويبدي من أسراره ما كان يكتمه وينتقل من بهاء السكوت والسكون إلى كثرة الكلام والهذيان والاهتزاز كأنه جان وربما صفق بيديه ودق الأرض برجليه وهكذا تفعل الخمر إلى غير ذلك ، واختلف العلماء في حكمه فحكي تحريمه عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه القاضي أبو الطيب ، والقرطبي ، والماوردي ، والقاضي عياض.
وفي التاتارخانية اعلم أن التغني حرام في جميع الأديان ، وذكر في الزيادات أن الوصية للمغنين والمغنيات مما هو معصية عندنا وعند أهل الكتاب ، وحكي عن ظهير الدين المرغيناني : أنه قال من قال لمقرئ زماننا أحسنت عند قراءته كفر. وصاحبا الهداية والذخيرة سمياه كبيرة. هذا في التغني للناس في غير الأعياد والأعراس ويدخل فيه تغني صوفية زماننا في المساجد والدعوات بالأشعار والأذكار مع اختلاط أهل الأهواء والمراد بل هذا أشد من كل تغني لأنه مع اعتقاد العبادة وأما التغني وحده بالأشعار لدفع الوحشة أو في الأعياد والأعراس فاختلفوا فيه والصواب منعه مطلقا في هذا الزمان انتهى.
وفي الدر المختار التغني لنفسه لدفع الوحشة لا بأس به (١) عند العامة على ما في العناية وصححه العيني(٢)
__________________
(١) قوله لا بأس به إلخ لما جاء عن أنس بن مالك أنه دخل على أخيه البراء بن مالك وكان من دهاة الصحابة وكان يتغنى وأجيب بأنه يجوز أن يكون معنى يتغنى ينشد الأشعار أي المباحة ا ه منه.
(٢) قوله وصححه العيني وإليه ذهب شمس الأئمة السرخسي ا ه منه.