وغيره. قال ولو فيه وعظ وحكمة فجائز اتفاقا ومنهم من أجازه في العرس كما جاز ضرب الدف فيه ومنهم من أباحه مطلقا ومنهم من كرهه مطلقا انتهى. وفي البحر والمذهب حرمته مطلقا فانقطع الاختلاف بل ظاهر الهداية أنه كبيرة ولو لنفسه وأقره المصنف وقال : ولا تقبل شهادة من يسمع الغناء أو يجلس مجلسه انتهى كلام الدر.
وذكر الإمام أبو بكر الطرسوسي في كتابه في تحريم السماع أن الإمام أبا حنيفة يكره الغناء ويجعله من الذنوب وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان ، وحماد ، وإبراهيم ، والشعبي ، وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة في كراهة ذلك والمنع منه انتهى وكأن مراده بالكراهة الحرمة ، والمتقدمون كثيرا ما يريدون بالمكروه الحرام كما في قوله تعالى : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) [الإسراء : ٣٨] ونقل عليه الرحمة فيه أيضا عن الإمام مالك انه نهى عن الغناء وعن استماعه وقال : إذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بالعيب وإنه سئل ما ترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : إنما يفعله عندنا الفساق؟ ونقل التحريم عن جمع من الحنابلة على ما حكاه شارح المقنع وغيره ، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب البلغة أن أكثر أصحابهم على التحريم وعن عبد الله ابن الإمام أحمد انه قال : سألت أبي عن الغناء فقال ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ثم ذكر قول مالك : إنما يفعله عندنا الفساق ، وقال المحاسبي في رسالة الإنشاء الغناء حرام كالميتة ، ونقل الطرسوسي أيضا عن كتاب أدب القضاء أن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه قال : إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال من استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته ، وفيه أنه صرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب ، والطبري ، والشيخ أبي إسحاق في التنبيه وذكر بعض تلامذة البغوي في كتابه الذي سماه التقريب أن الغناء حرام فعله وسماعه ، وقال ابن الصلاح في فتاواه بعد كلام طويل : فإذن هذا السماع حرام بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين انتهى. والذي رأيته في الشرح الكبير للجامع الصغير للفاضل المناوي أن مذهب الشافعي أنه مكروه تنزيها عند أمن الفتنة ، وفي المنهاج يكره الغناء بلا آلة قال العلامة ابن حجر لما صح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وذكر الحديث السابق الموقوف عليه وإنه جاء مرفوعا من طرق كثيرة بينها في كتابه كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع ثم قال : وزعم أنه لا دلالة فيه على كراهته لأن بعض المباح كلبس الثياب الجميلة ينبت النفاق في القلب وليس بمكروه يرد بأنا لا نسلم أن هذا ينبت نفاقا أصلا ، ولئن سلمناه فالنفاق مختلف فالنفاق الذي ينبته الغناء من التخنث وما يترتب عليه أقبح وأشنع كما لا يخفى ثم قال : وقد جزم الشيخان يعني النووي والرافعي في موضع بأنه معصية وينبغي حمله على ما فيه وصف نحو خمر أو تشبب بأمرد أو أجنبية ونحو ذلك مما يحمل غالبا على معصية ، قال الأذرعي : أما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل كحداء الأعراب لإبلهم والنساء لتسكين صغارهن فلا شك في جوازه بل ربما يندب إذا نشط على سير أو رغب في خير كالحداء في الحج والغزو ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض الصحابة انتهى ، وقضية قولهم بلا آلة حرمته مع الآلة ، قال الزركشي لكن القياس تحريم الآلة فقط وبقاء الغناء على الكراهة انتهى.
ومثل الاختلاف في الغناء الاختلاف في السماع فأباحه قوم كما أباحوا الغناء واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن عائشة قالت : «دخل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ـ وفي رواية لمسلم ـ تسجى بثوبه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : دعهما فلما غفل غمرتهما فخرجتا وكان يوم عيد» الحديث ووجه الاستدلال أن هناك غناء أو سماعا وقد أنكر عليه الصلاة والسلام إنكار أبي بكر رضي