يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) الآية». وأخرج الإسماعيلي في معجمه وابن مردويه عن يحيى هذا ما هو قريب مما ذكر مرويا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. و (يُؤْمِنُونَ) على هذا على ظاهره لا غير ، وتعقب بأن السياق والسباق مع الكفرة وإن الظاهر كون (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) الآية جوابا لقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ) إلخ ، وفي جعل سبب النزول ما ذكر خروج عن ذلك فتأمل.
وعليه تكون الآية دليلا لمن منع تتبع التوراة ونحوها. وروي هذا المنع عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
أخرج ابن عساكر عن أبي مليكة قال : أهدى عبد الله بن عامر بن ركن إلى عائشة رضي الله تعالى عنها هدية فظنت أنه عبد الله بن عمرو فردتها وقالت : يتتبع الكتب وقد قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) فقيل لها : «إنه عبد الله بن عامر فقبلتها» وجاء في عدة أخبار ما يقتضي المنع ، أخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإيمان ، عن الزهري أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرأه عليه والنبي عليه الصلاة والسلام يتلون وجهه فقال : «والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني ضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم».
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي أيضا عن أبي قلابة «أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مرّ برجل يقرأ كتابا فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال للرجل : اكتب لي من هذا الكتاب قال : نعم فاشترى أديما فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتلون فضرب رجل من الأنصار الكتاب وقال : «ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول اللهصلىاللهعليهوسلم منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عند ذلك : إنما بعثت فاتحا وخاتما وأعطيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي الحديث اختصارا فلا يهلكنكم المتهوكون» أي الواقعون في كل أمر بغير رويّة ، وقيل : المتحيرون إلى ذلك من الأخبار ، وحقق بعضهم أن المنع إنما هو عند خوف فساد في الدين وذلك مما لا شبهة فيه في صدر الإسلام ، وعليه تحمل الأخبار ، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر.
(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) أي عالما بما صدر عني من التبليغ والإنذار وبما صدر عنكم من مقابلتي بالتكذيب والإنكار فيجازي سبحانه كلا بما يليق به (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي من الأمور التي من جملتها شأني وشأنكم فهو تقرير لما قبله من كفايته تعالى شهيدا ، وجوز أن يكون المعنى كفى به عزوجل شاهدا بصدقي أي مصدقا لي فيما ادعيته بالمعجزات تصديق الشاهد لدعوى المدعي ، وجملة (يَعْلَمُ) إما صفة (شَهِيداً) أو حال أو استئناف لتعليل كفايته ، وقيل عليه : إن هذا الوجه لا يلائمه قوله تعالى : (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) سواء تعلق بكفى أو بشهيدا ولا قوله سبحانه : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) إلخ ، وفيه تأمل.
وقد يؤيد ذلك بما روي أن كعب بن الأشرف ، وأصحابه قالوا : يا محمد من يشهد بأنك رسول الله فنزلت (قُلْ كَفى) الآية إلا أن في القلب من صحة هذه الرواية شيئا لما أن السياق والسباق مع كفرة قريش فلا تغفل.
وأيّا ما كان فلا منافاة بين هذه الآية ، وقوله تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) [البقرة : ٢٣] بناء على أن المعنى لا تستشهدوا بالله تعالى ولا تقولوا الله تعالى يشهد أن ما ندعيه حق كما يقوله العاجز عن إقامة البينة إما لأن الشهيد هاهنا بمعنى العالم والكلام وعد ووعيد ، وإما بمعنى المصدق بالمعجزات وليست الشهادة بأحد المعنيين هناك ، والباء في (بِاللهِ) زائدة والاسم الجليل فاعل (كَفى) ، وقال الزجاج : «إن الباء دخلت لتضمن كفى معنى اكتف فالباء كما قال اللقاني معدية لا زائدة ، قال ابن هشام في المغني : وهو من الحسن بمكان ويصححه قولهم : اتقى