بلغة العرب ، وهي تعبّر عن الشيء بما يجاوره أو بما يشتمل عليه ؛ وإنما أراد سبحانه أن يعرّف أن من بعد عن البيت فإنه يقصد (١) الناحية لا عين البيت ، فإنه يعسر [نظره و] (٢) قصده ؛ بل لا يمكن أبدا إلّا للمعاين ، وربما التفت المعاين يمينا أو شمالا فإذا به قد زهق (٣) عنه ، فاستأنف الصلاة ؛ وأضيق ما تكون القبلة عند معاينة القبلة.
وقد (٤) اختلف العلماء : هل فرض الغائب عن الكعبة استقبال العين؟ [أو استقبال الجهة؟ فمنهم من قال : فرضه استقبال العين] (٥) ؛ وهذا ضعيف ؛ لأنه تكليف لما لا يصل إليه. ومنهم من قال الجهة ؛ وهو الصحيح لثلاثة أمور :
أحدها ـ أنه المكن الذي يرتبط به التكليف.
الثاني ـ أنه المأمور به في القرآن ، إذ قال (٦) : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ). فلا يلتفت إلى غير ذلك.
الثالث ـ أنّ العلماء احتجّوا بالصفّ الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض البيت ، ويجب أن يعوّل على ما تقدم ؛ فإن الصفّ الطويل إذا بعد عن البيت أو طال وعرض أضعافا مضاعفة لكان ممكنا أن يقابل [جميع] (٧) البيت.
الآية السادسة والعشرون ـ قوله تعالى (٨) : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها).
وهي مشكلة لباب الكلام فيها في مسألتين :
المسألة الأولى ـ أنّ الوجهة هي هيئة التوجّه كالقعدة ـ بكسر القاف : هيئة القعود ، والجلسة : هيئة الجلوس ، وفي المراد بها ثلاثة أقوال :
الأول ـ أن المراد بذلك أهل الأديان ؛ المعنى لأهل كل ملّة حالة في التوجه إلى القبلة ؛ روى عن ابن عباس.
الثاني ـ أنّ المعنى لكلّ وجهة في الصلاة إلى بيت المقدس ، وفي الصلاة إلى الكعبة ؛ قاله قتادة.
__________________
(١) في م : يستقبل.
(٢) من م.
(٣) زهق : ذهب وخرج وبعد عنه.
(٤) هنا في م : مسألة هل الفرض استقبال عين الكعبة أو الجهة.
(٦) سورة البقرة ، آية ١٤٤
(٨) الآية الثامنة والأربعون بعد المائة.