وأما من خصّ حلف (١) الجاهلية فلا قوّة له إلا أن يريد أنه إذا لزم الوفاء به ، وهو من عقد الجاهلية ؛ فالوفاء بعقد الإسلام أولى ، وقد أمر الله سبحانه بالوفاء به ؛ قال الله تعالى (٢) : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) ؛ قال ابن عباس : يعنى من النصيحة والرفادة والنصرة ، وسقط الميراث خاصة بآية الفرائض وآية الأنفال. وقد قال النبي [صلى الله عليه وسلم : المؤمنون عند شروطهم] (٣).
وأما من قال عقد البيع وما ذكر معه فإنما أشار إلى عقود المعاملات وأسقط غيرها وعقود الله والنذور ؛ وهذا تقصير.
وأما قول الكسائي الفرائض فهو أخو قول الزجاج ، ولكن قول الزجاج أوعب ؛ إذ دخل فيه الفرض المبتدأ والفرض الملتزم والندب ، ولم يتضمّن قول الكسائي ذلك كله.
المسألة الثامنة ـ إذا ثبت هذا فربط العقد تارة يكون مع الله ، وتارة يكون مع الآدمي ، وتارة يكون بالقول ، وتارة بالفعل ، فمن قال : «لله علىّ صوم يوم» فقد عقده بقوله مع ربّه ؛ ومن قام إلى الصلاة فنوى وكبّر فقد عقدها لربه بالفعل ، فيلزم الأول ابتداء الصوم ، ويلزم هذا تمام الصلاة ؛ لأن كل واحد منها قد عقدها مع ربه ، والتزم. والعقد بالفعل أقوى منه بالقول. وكما قال سبحانه (٤) : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً). كذلك قال (٥) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ). وما قال القائل : على صوم يوم أو صلاة ركعتين إلّا ليفعل ، فإذا فعل كان أقوى (٦) من القبول ؛ فإن القول عقد (٧) وهذا نقد ؛ وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف وشرح الحديث على الشافعى تمهيدا بليغا ، فلينظر هنالك.
فإن قيل : فكيف يلزم الوفاء بعقد الجاهلية حين كانوا يقولون : هدمي هدمك ، ودمى دمك ، وهم إنما كانوا يتعاقدون على النصرة في الباطل.
__________________
(١) في ا : خلف ، وهو تحريف.
(٢) سورة النساء ، آية ٣٢
(٣) ساقط من ل.
(٤) سورة الإنسان ، آية ٧
(٥) سورة محمد ، آية ٣٣.
(٦) في ل : كان أوكد.
(٧) في ل : وعد.