قلنا : كذبتم ؛ إنما كانوا يتعاقدون على ما كانوا يعتقدونه حقّا ، وفيما كانوا يعتقدونه حقّا ما هو حق كنصرة المظلوم ، وحمل الكلّ ، وقرى الضيف ، والتعاون على نوائب الحق. وفيه أيضا باطل ؛ فرفع الإسلام من ذلك الباطل بالبيان ، وأوثق عرى الجائز ، وألحق منه بالأمر بالوفاء بإتيانهم نصيبهم فيه ، كما تقدم من النصيحة والرفادة والنصرة ، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم : المؤمنون عند شروطهم. معناه إنما تظهر حقيقة إيمانهم (١) عند الوفاء بشروطهم.
وقال صلى الله عليه وسلم : أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج. ثم قال : ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن [كان] (٢) اشترط مائة شرط.
فبيّن أن الشرط الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله تعالى ، أى دين الله تعالى ، كذلك لا يلزم الوفاء بعقد إلا أن يعقد على ما في كتاب الله. وعلى المسلمين أن يلتزموا الوفاء بعهودهم وشروطهم إلّا أن يظهر فيها ما يخالف كتاب الله ، فيسقط. ولا يمنع هذا التعلّق بعموم القولين ؛ ولذلك حثّ على فعل الخير ، فقال (٣) : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وأمر بالكفّ عن الشر ، فقال : لا ضرر ولا ضرار. فهذا حثّ على فعل كل خير واجتناب كل شر. فأما اجتناب الشر فجميعه واجب. وأمّا فعل الخير فينقسم إلى ما يجب وإلى ما لا يجب ؛ وكذلك الوفاء بالعقود ، ولكنّ الأصل فيها الوجوب ، إلّا ما قام الدليل على ندبه ؛ وقد جهل بعضهم فقال : لما كانت العقود الباطلة والشروط الباطلة لا نهاية لها والجائز منها محصور فصار مجهولا فلا يجوز الاحتجاج على الوفاء بالعقود ولا بالشروط لأجل ذلك وهي (٤) عبارة عظيمة ، وهي :
المسألة التاسعة : قلنا : وما لا يجوز [كيف] (٥) يدخل تحت مطلق أمر الله سبحانه حتى يجعله مجملا. والله لا يأمر بالفحشاء ولا بالباطل : لقد ضلّت إمامتك وخابت أمانتك ، وعلى هذا لا دليل في الشرع لأمر يفعل ؛ فإن منه (٦) كله ما لا يجوز ، ومنه ما يجوز ،
__________________
(١) في ل : إسلامهم.
(٢) من ل.
(٣) سورة الحج ، آية ٧٧
(٤) في ل : وهذه.
(٥) من ل.
(٦) في ا : فيه.