المفسرين المتقدمين ، وكسر الدنانير والدراهم ذنب عظيم ، لأنها الواسطة في تقدير قيم الأشياء والسبيل إلى معرفة كمية الأموال وتنزيلها في المعاوضات ، حتى عبّر عنها بعض العلماء إلى أن يقولوا إنها القاضي ، بيّن الأموال عند اختلاف المقادير أو جهلها ، وإن (١) من حبسها ولم يصرفها فكأنه حبس القاضي وحجبه عن الناس ، والدراهم والدنانير إذا كانت صحاحا قام معناها ، وظهرت فائدتها ، فإذا كسرت صارت سلعة ، وبطلت الفائدة فيها ، فأضرّ ذلك بالناس ، فلأجله حرم. وقد قال ابن المسيب : قطع الدنانير والدراهم من الفساد في الأرض ، وكذلك قال زيد بن أسلم في هذه الآية ، وفسّره به. ومثلها (٢) عن يحيى بن سعيد من رواية مالك عنهم كلهم.
وقد (٣) قال عمر بن عبد العزيز : إن ذلك تأويل قوله (٤) : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها).
وقد قيل في قوله تعالى (٥) : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) ، قال زيد بن أسلم : كانوا يكسرون الدراهم والدنانير ، والمعاصي تتداعى.
المسألة الثالثة ـ قال أصبغ : قال عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة مولى زيد بن الحارث العتقى : من كسرها لم تقبل شهادته ، وإن اعتذر بالجهالة (٦) لم يعذر ، وليس هذا بموضع عذر ، فأما قوله : لم تقبل شهادته ، فلأنه أتى كبيرة ، والكبائر تسقط العدالة دون الصغائر.
وأما قوله : لا يقبل عذره بالجهالة في هذا فلأنه أمر بيّن لا يخفى على أحد. وإنما يقبل العذر إذا ظهر الصدق فيه أو خفى وجه الصدق فيه ، وكان الله أعلم به من العبد كما قال مالك.
المسألة الرابعة ـ إذا كان هذا معصية وفسادا يردّ الشهادة فإنه يعاقب من فعل ذلك.
واختلف في عقوبته على ثلاثة أقوال (٧) :
[الأول ـ] (٨) قال مالك : يعاقبه السلطان على ذلك هكذا مطلقا من غير تحديد للعقوبة
__________________
(١) في م : وأنه.
(٢) في م : ومثله.
(٣) في م : وبه قال.
(٤) سورة الأعراف ، آية ٥٦
(٥) سورة النمل ، آية ٤٨.
(٦) في م : بجهالة.
(٧) في م : على ثلاثة أحوال.
(٨) من م.