الثاني ـ قال ابن المسيّب ـ ونحوه عن سفيان : إنه مرّ برجل قد جلد ، فقال ابن المسيب : ما هذا؟ فقالوا : رجل كان يقطع الدراهم. قال ابن المسيب : هذا من الفساد في الأرض ـ ولم ينكر جلده.
الثالث ـ قال أبو عبد الرحمن التجيبى (١) : كنت عند عمر بن عبد العزيز قاعدا (٢) ، وهو إذ ذاك أمير المدينة ، فأتى برجل يطع الدراهم ، وقد شهد عليه ، فضربه وحلقه ، فأمر فطيف به ، وأمره أن يقول : هذا جزاء من يقطع الدراهم ، ثم أمر به أن يرد (٣) إليه ، فقال له : إنه لم يمنعني أن أقطع يدك إلا أنى لم أكن تقدمت في ذلك قبل اليوم ، فقد تقدمت في ذلك ، فمن شاء فليقطع.
قال القاضي ابن العربي : أما أدبه بالسوط فلا كلام فيه ، وأما حلقه فقد فعله عمر كما تقدم.
وقد كنت أيام الحكم بين الناس أضرب وأحلق ، وإنما كنت أفعل ذلك بمن يربى شعره عونا على المعصية وطريقا إلى التجمّل به في الفسوق ، وهذا هو الواجب في كل طريقة للمعصية أن يقطع إذا كان ذلك غير مؤثّر في البدن.
وأما قطع يده فإنما أخذ ذلك عمر ـ والله أعلم ـ من فصل السرقة ، وذلك أن قرض الدراهم غير كسرها ، فإنّ الكسر إفساد الوصف والقرض تنقيص القدر ، فهو أخذ مال على جهة الاختفاء.
فإن قيل : ليس من حرز ، والحرز أصل في القطع.
قلنا : يحتمل أن يكون عمر رأى أن تهيئتها للفصل بين الخلق دينارا أو درهما حرز لها ، وحرز كل شيء على قدر حاله.
وقد أنفذ (٤) بعد ذلك ابن الزبير ، وقطع يد رجل في قطع الدراهم والدنانير.
وقد قال علماؤنا المالكية : إن الدراهم والدنانير خواتيم الله عليها اسم (٥) الله.
__________________
(١) في م : التيمي.
(٢) في م : قائما.
(٣) في م : فرد.
(٤) في ا : أبعد.
(٥) في م : عليها اسمه.