سورة يوسف
[فيها اثنتان (١) وعشرون آية]
الآية الأولى ـ قوله تعالى (٢) : (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ في حقيقة الرؤيا ، وهي حالة شريفة جعلها الله للخلق بشرى كما تقدم. وقال صلى الله عليه وسلم : لم يبق بعدي من المبشّرات إلا الرؤيا ، وحكم بأنها جزء من سبعين جزءا من النبوة. واختلف الناس فيها ، فأنكرتها المعتزلة لأنها ليست من الشريعة في شيء. وقد اتفقت الأمم عليها مع اختلافهم في الآراء والنّحل.
واختلف علماؤنا في حقيقتها ، فقال القاضي ، والأستاذ أبو بكر : إنها أوهام وخواطر واعتقادات.
وقال الأستاذ أبو إسحاق : هي إدراك حقيقة ، وحمل القاضي والأستاذ ذلك على رؤية (٣) الإنسان لنفسه يطير وهو قائم (٤) ، وفي المشرق وهو في المغرب ، ولا يكون ذلك إدراكا حقيقة.
وعوّل الأستاذ أبو إسحاق على أن الرؤيا إدراك في أجزاء لم تحلها الآفة ، ومن بعد عهده بالنوم استغرقت الآفة أجزاءه ، وتقلّ الآفة في آخر الليل. وقال : إن الله سبحانه يخلق له علما ناشئا (٥) ، ويخلق له الذي يراه على ما يراه ليصحّ الإدراك ، فإذا رأى شخصا وهو في طرف العالم فالموجود كأنه عنده ، ولا يرى في المنام إلا ما يصحّ إدراكه في اليقظة ، ولذلك لا نرى شخصا قائما قاعدا في المنام بحال ، وإنما يرى الجائزات الخارقة للعادات ، أو الأشياء المعتادات ، وإذا رأى نفسه يطير أو يقطع يده أو رأسه فإنما رأى غيره على مثاله ، وظنّه من نفسه ، وهذا معنى قول القاضي الأستاذ أبى بكر : إنها أوهام ، ويتفقون في هذ
__________________
(١) في م : ثمان وهي اثنتان وعشرون عدّا ولكن بعضها يشتمل على أكثر من آية.
(٢) آية ٥.
(٣) في ا : رؤيتهم.
(٤) في ا : نائم.
(٥) في م : علما بأشياء.