أخو خمسين مجتمع أشدّى |
|
وتجريبى مداراة الشؤون |
المسألة الثالثة ـ (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) :
الحكم هو العمل بالعلم ، وقد تقدم في سورة البقرة معنى ترتيب (ح ك م). والعمل بمقتضى العلم إنما يكون بعد البلوغ ، وما قبله في زمان عدم التكليف فإنه فيه معدوم إلا في النادر. قال الله تعالى في يحيى بن زكريا (١) : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).
قال المفسرون : قيل له ، وهو صغير : ألا تذهب تلعب؟ قال (٢) : ما خلقت للعب. وهذا إنما بيّن الله به حال يوسف من حين بلوغه بأنه (٣) آتاه العلم ، وآتاه العمل بما علم ، وخبر الله صادق ، ووصفه صحيح ، وكلامه حقّ ، فقد عمل يوسف بما علّمه الله من تحريم الزنا وتحريم خيانة السيد أو الجار أو الأجنبى في أهله ، فما تعرّض لامرأة العزيز ، ولا أناب إلى المراودة [بحكم المراودة] (٤) ، بل أدبر عنها ، وفرّ منها ، حكمة خصّ بها ، وعملا بمقتضى ما علمه الله سبحانه ، وهذا يطمس وجوه الجهلة من الناس والغفلة من العلماء في نسبتهم إليه ما لا يليق به ، وأقلّ ما اقتحموا من ذلك أنه هتك السراويل ، وهمّ بالفتك فيما رأوه من تأويل ، وحاش لله ما علمت عليه من سوء ، بل أبرئه (٥) مما برأه الله منه ، فقال : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً). كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا الذين استخلصناهم. والفحشاء هي الزنا ، والسوء هو المراودة والمغازلة ، فما ألمّ بشيء ولا أتى بفاحشة.
فإن قيل : فقد قال الله (٦) : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها).
قلنا : قد تقصّينا عن ذلك في كتاب الأنبياء من شرح المشكلين ، وبيّنا أن الله [سبحانه] (٧) ما أخبر عنه أنه أتى في جانب القصة فعلا بجارحة ، وإنما الذي كان منه الهمّ ، وهو فعل القلب ، فما لهؤلاء المفسرين لا يكادون يفقهون حديثا ، ويقولون : فعل ، وفعل ، والله إنما قال : همّ بها ، لا أقالهم ولا أقلّهم الله ولا عالهم.
كان بمدينة السلام إمام من أئمة الصوفية ، وأىّ إمام ، يعرف بابن عطاء ، تكلم يوما على
__________________
(١) سورة مريم ، آية ١٢.
(٢) في م : ألا تذهب تلعب؟ فقال.
(٣) في م : من أنه.
(٤) ليس في م.
(٥) في م : بل أبرأته.
(٦) سورة يوسف ، آية ٢٤.
(٧) من م.