يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته من مكروه (١) ما نسب إليه ، فقام رجل من آخر مجلسه ـ وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة ، فقال له : يا سيدي (٢) ، فإذن يوسف همّ وما تمّ. فقال : نعم ، لأن العناية من ثمّ. فانظر إلى حلاوة العالم والمتعلم ، وانظر إلى فطنة العامي في سؤاله ، وجواب العالم في اختصاره ، واستيفائه. ولذلك قال علماء الصوفية : إن فائدة قوله: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) أنّ الله أعطاه العلم والحكمة إبّان غلبة الشهوة لتكون له (٣) سببا للعصمة.
الآية الثامنة ـ قوله تعالى (٤) : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ قال علماؤنا : ليست هذه الشهادة من شهادات الأحكام التي تفيد الإعلام عند الحكام ، ويتفرد بعلمها الشاهد فيطلع عليها الحاكم (٥) ، وإنما هي بمعنى أخبر عن علم ما كان عنه القوم غافلين ، وذلك أن القميص جرت العادة فيه أنه إذا جذب من خلفه تمزّق من تلك الجهة ، وإذا جذب من قدّام تمزّق من تلك الجهة ، ولا يجذب القميص من خلف اللابس إلا إذا كان مدبرا ، وهذا في الأغلب ، وإلّا فقد يتمزق [القميص بالقلب من ذلك] (٦) إذا كان الموضع ضعيفا.
المسألة الثانية ـ يتكلم الناس في هذا الشاهد من أربعة أوجه :
الأول ـ الشاهد هو القميص.
الثاني ـ أنه كان ابن عمها.
الثالث ـ أنه كان من أصحاب العزيز.
الرابع ـ أنه كان صبيّا في المهد.
__________________
(١) في م : تبرئته مما نسب إليه من مكروه.
(٢) في م : يا سيدنا.
(٣) في م : ليكون سببا للعصمة.
(٤) آية ٢٦ ، ٢٧.
(٥) في ا : الحكم.
(٦) ليس في م.