وقال غيره : التقدير جزاء السارق من وجد في رحله فهو جزاء ، ويكون جزاؤه الأول الابتداء (١) ، والجملة بعده الخبر ، المعنى من وجد في رحله فهو هو ، وكرره تأكيدا للبيان. كما قال الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغص الموت ذا الغنى والفقيرا |
المسألة الثانية ـ في تحقيق هذا الكلام بالتفسير :
وذلك أنّ دين الملك كان أن يأخذ المجنىّ عليه من السارق مثلي السرقة ، وكان دين يعقوب أن يسترقّ السارق ، فأخذ يوسف إخوته بما في دين يعقوب بإقرارهم بذلك وتسليمهم فيه.
وقد روى عن مجاهد أنّ عمة يوسف بنت إسحاق ، وكانت أكبر من يعقوب ، صارت إليها منطقة إسحاق لسنّها ، لأنهم كانوا يتوارثونها بالسنّ ، وكان من سرقها استملك ، وكانت عمة يوسف قد حضنته وأحبّته حبّا شديدا ، فلما ترعرع قال لها يعقوب : سلّمى يوسف إلىّ ، فلست أقدر أن يغيب عن عيني ساعة. قالت له : دعه عندي أياما أنظر إليه فلعلي أتسلّى عنه. فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فخرمتها على يوسف من تحت ثيابه ، ثم قالت : لقد فقدت منطقة إسحاق ، فانظروا من أخذها ، ومن أصابها. فالتمست ، ثم قالت : اكشفوا أهل البيت ، فكشفوا فوجدت مع يوسف. فقالت : والله إنه لي سلم (٢) أصنع فيه ما شئت. ثم أتاها يعقوب ، فأخبرته الخبر ، فقال لها : أنت وذاك ، إن كان فعل فهو سلم لك ، فأمسكته حتى ماتت ، فبذلك عيّره إخوته في قولهم : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ، معناه أنّ القرابة شجنة والصحابة شجنة (٣).
ومن هاهنا تعلّم يوسف وضع السقاية في رحل أخيه كما عملت عمّته به.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ). إذ كان لا يرى استرقاق السارق إلا أن يشاء الله ، فكيف التزام الإخوة لدين يعقوب بالاسترقاق ، فقضى عليهم به ، والكيد والمكر هو الفعل الذي يخالف فيه الباطن الظاهر ،
__________________
(١) في م : ابتداء.
(٢) سلم : أسير.
(٣) شجنة : تشابك وترابط.