والقول الذي يحتمل معنيين ، فيتأوّله أحد المتخاطبين على وجه والآخر على وجه آخر.
المسألة الرابعة ـ قد ذكرنا في سورة المائدة أنّ القطع في السرقة ناسخ لما تقدم من الشرائع ، إذ كان في شرع يعقوب استرقاق السارق كما تقدم ، ولا نعلم ما نفذ به الحكم في شرع يعقوب هل كان مخصوصا بعين مسروقة دون عين أم عامّا في كل عين؟ والأول أصح ، لأنه ثبت في الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن بنى إسرائيل كانوا (١) إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ ، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. وهذا نصّ في الغرض ، موضّح للمقصود ، فافهموه.
المسألة الخامسة ـ قوله : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ).
فيه جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل ، إذا لم تخالف شريعة ولا هدمت أصلا ، خلافا لأبى حنيفة في تجويزه الحيل ، وإن خالفت الأصول وخرمت التحليل ، سمعت أبا بكر محمد ابن الوليد الفهري وغيره يقول : كان شيخنا قاضى القضاة أبو عبد الله محمد بن علىّ الدامغاني صاحب عشرات آلاف من المال ، فإذا جاء رأس الحول دعا بنيه فقال لهم : قد كبرت سنى ، وضعفت قوتي ، وهذا مال لا أحتاجه ، فهو لكم ، ثم يخرجه ، ويحتمله الرجال على أعناقهم إلى دور بنيه ، فإذا جاء رأس الحول ، ودعا بنيه لأمر قالوا : يا أبانا إنما أملنا حياتك ، وأما المال فأىّ رغبة لنا فيه ما دمت حيا ، أنت ومالك لنا ، فخذه إليك. ويسير الرجال به حتى يضعوه بين يديه ، فيرده إلى موضعه ـ يريد بتبديل الملك إسقاط الزكاة على رأى أبى حنيفة في التفريق بين المجتمع ، والجمع بين المفترق ، وهذا خطب عظيم بيّناه في شرح الحديث ، وقد صنّف البخاري عليه في جامعه كتابا مقصودا (٢).
المسألة السادسة ـ قال بعض علماء الشافعية : قوله تعالى (٣) : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) دليل على جواز الحيلة في التوصّل إلى المباح واستخراج الحقوق.
قال القاضي الإمام أبو بكر رضى الله عنه : هذا وهم عظيم.
وقوله : وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض قيل فيه : كما مكنا ليوسف ملك نفسه عن
__________________
(١) في ا : كان.
(٢) في م : مقصورا.
(٣) آية ٥٦.