وحقيقته أنّ كلام المرء بذكر الله إن لم يقترن به عمل صالح لم ينفع ، لأنّ من خالف قوله فعله فهو وبال عليه.
وتحقيق هذا أن العمل الصالح إذا وقع شرطا في القول أو مرتبطا به فإنه لا قبول له إلا به ، وإن لم يكن شرطا فيه ولا مرتبطا به فإن كلمه الطيّب يكتب له ، وعمله الصالح يكتب عليه ، وتقع الموازنة بينهما ، ثم يحكم له بالفوز والربح والخسران.
المسألة الخامسة ـ ذكروا عند ابن عباس يقطع الصلاة الكلب ، فقرأ هذه الآية : إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه ، وهذا استدلال بعموم على مذهب السلف في القول بالعموم. وقد دخل هذا في الصلاة بشروطها ، فلا يقطعها عليه شيء إلا بثبوت ما يوجب ذلك من مثل ما انعقدت به من قرآن أو سنّة. وقد تعلق من رأى ذلك بقوله : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود. وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف وشرح الحديث ، وذكرنا أن الآثار في ذلك بينة متعارضة فتبقى الصلاة على صحتها.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (١) : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وقد قدمنا القول في طعام البحر وحليته في سورة المائدة (٢) والنّحل (٣) بما يغنى عن إعادته هاهنا.
__________________
(١) آية ١٢.
(٢) صفحة ٦٧٧ (القسم الثاني).
(٣) صفحة ١١٣٥ (القسم الثالث).