وكان صاحب مصر الملقّب بالأفضل قد دخلها في المحرم سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وحوّلها (١) عن أيدى العباسية ، وهو حنق عليها وعلى أهلها بحصاره لهم وقتالهم له ، فلما صار فيها (٢) ، وتدانى بالمسجد الأقصى منها ، وصلى ركعتين تصدّى له ابن الكازروني ، وقرأ (٣) : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، فما ملك نفسه حين سمعه أن قال للناس على عظم ذنبهم عنده ، وكثرة حقده عليهم (٤) : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى ، وزيادة في الخلق ومنّة. وأحقّ (٥) ما لبست هذه الحلة النفيسة والموهبة الكريمة كتاب الله ، فنعم الله إذا صرفت في الطاعة فقد قضى بها حقّ النعمة.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٦) : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ).
فيها سبع مسائل :
المسألة الأولى ـ المحراب : هو البناء المرتفع الممتنع ، ومنه يسمى المحراب في المسجد ، لأنه أرفعه ، أنشد فقيه المسجد الأقصى عطاء الصوفي :
جمع الشجاعة والخضوع لربه |
|
ما أحسن المحراب في المحراب |
والجفان أكبر الصّحاف ، قال الشاعر :
يا جفنة بإزاء الحوض قد كفئت |
|
ومنطقا مثل وشى البردة الخضر |
والجوابى جمع جابية ، وهي الحوض العظيم المصنوع ، قال الشاعر يصف جفنة (٧) :
كجابية الشّيخ العراقي تفهق
__________________
(١) في ا : وخزلها.
(٢) في ا : صادفها.
(٣) سورة آل عمران ، آية ٢٦.
(٤) سورة يوسف ، آية ٩٢.
(٥) في ش : وأحسن.
(٦) آية ١٣.
(٧) الشاعر هو امرؤ القيس ، وصدره :
تروح على آل المحلق جفنة