(وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ، يعنى ثابتات ، قال الله تعالى (١) : (وَالْجِبالَ أَرْساها).
المسألة الثانية ـ شاهدت محراب داود عليه السلام في بيت المقدس بناء عظيما من حجارة صلدة لا تؤثّر فيها المعاول ، طول الحجر خمسون ذراعا ، وعرضه ثلاثة عشر ذراعا ، وكلما قام بناؤه صغرت حجارته ، ويرى له ثلاثة أسوار ، لأنه في السحاب أيام الشتاء كلها لا يظهر لارتفاع موضعه وارتفاعه في نفسه ، له باب صغير ومدرجة عريضة ، وفيه الدّور والمساكن ، وفي أعلاه المسجد ، وفيه كوّة شرقية إلى المسجد الأقصى في قدر الباب ، ويقول الناس : إنه تطلع منها على المرأة حين دخلت عليه الحمامة ، وليس لأحد في هدمه حيلة ، وفيه نجا من نجا من المسلمين حين دخلها الروم حتى صالحوا على أنفسهم بأن أسلموه إليهم ، على أن يسلموا في رقابهم وأموالهم ، فكان ذلك ، وتخلّوا لهم عنه.
ورأيت فيه غريبة الدهر ، وذلك أن تأثرا ثار به على واليه ، وامتنع فيه بالقوت ، فحاصره ، وحاول قتاله بالنشاب مدة ، والبلد على صغره مستمر على حاله ، ما أغلقت لهذه الفتنة سوق ، ولا سار إليها من العامة بشر ، ولا برز للحال من المسجد الأقصى معتكف ، ولا انقطعت مناظرة ، ولا بطل التدريس ، وإنما كانت العسكرية قد تفرقت فرقتين يقتتلون ، وليس عند سائر الناس لذلك حركة ، ولو كان بعض هذا في بلادنا لاضطرمت نار الحرب في البعيد والقريب ، ولانقطعت المعايش ، وغلّقت الدكاكين ، وبطل التعامل لكثرة فضولنا وقلّة فضولهم.
المسألة الثالثة ـ قوله : (وَتَماثِيلَ) ، واحدتها تمثال ، وهو بناء غريب ، فإن الأسماء التي جاءت على «تفعال» قليلة منحصرة ، جماعها ما أخبرنا أبو المعالي ثابت بن بندار ، أخبره أبو الحسن بن رزية ، أخبرنا القاضي أبو سعيد ، أخبرنا أبو بكر بن دريد ، قال : رجل تكلام : كثير الكلام ، وتلقام : كثير اللّقم ، ورجل تمساح كذّاب ، وناقة تضراب قريبة العهد بالضّراب ، والتّمراد (٢) : بيت صغير للحمام (٣). وتلفاق (٤) ثوبان يخاط أحدهما بالآخر.
__________________
(١) سورة النازعات ، آية ٣٢.
(٢) في ا : التمرار ، وهو تحريف.
(٣) في القاموس : التمراد : بيت صغير في بيت الحمام لمبيضه.
(٤) في ا : تلفاف ، وهو تحريف ، والمثبت من ش ، والقاموس.