قال ابن أعثم : فتياسر الحسين حتى وصل إلى «عذيب الهجانات» فورد كتاب من عبيد الله بن زياد إلى الحر يلومه في أمر الحسين ، ويأمره بالتضييق عليه ، فأصبح الحسين من وراء عذيب الهجانات ، وإذا الحرّ قد عارضه أيضا في جيشه ، ومنعه من المسير. فقال له الحسين : «ويلك ما دهاك؟ ألست قد أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق ، فأخذنا وقبلنا مشورتك»؟ فقال الحرّ : صدقت ، يا بن رسول الله! ولكن هذا كتاب الأمير ورد عليّ ، يؤنبني ويضعفني في أمرك ، ويأمرني بالتضييق عليك.
قال الحسين : «فذرنا إذن ننزل بقرية نينوى أو الغاضرية» ، فقال له الحر : لا ، والله يا أبا عبد الله لا أستطيع ذلك ، فقد جعل ابن زياد عليّ عينا ، يطالبني ويؤاخذني بذلك. وفي رواية : قال الحر : لا ، والله ما أستطيع ذلك ، وهذا رسول ابن زياد معي ، وإنما بعثه عينا عليّ.
فقال للحسين رجل من أصحابه ، يقال له : «زهير بن القين البجلي» : يا ابن رسول الله! ذرنا نقاتل هؤلاء القوم ، فإنّ قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا معهم بعد هذا ، فقال له الحسين : «صدقت ، يا زهير! ولكن ما كنت لأبدأهم بالقتال حتى يبدءوني» ، فقال له زهير : فسر بنا حتى ننزل «بكربلاء» فإنها على «شاطئ الفرات» فنكون هنالك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا بالله عليهم ، فدمعت عينا الحسينعليهالسلام حين ذكر ـ كربلاء ـ ، وقال : «اللهمّ! إني أعوذ بك من الكرب والبلاء».
ونزل الحسين في موضعه ذلك ، ونزل الحرّ حذاءه في جنده الذين هم ألف فارس ، ودعا الحسين بدواة وبياض وكتب إلى أشراف الكوفة ممّن يظن أنه على رأيه : «بسم الله الرّحمن الرّحيم من الحسين بن عليّ إلى سليمان بن صرد ؛ والمسيب بن نجبة ؛ ورفاعة ابن شدّاد ؛ وعبد الله بن وال ؛ وجماعة