يا قدامة بن مالك! فناد في الناس : يا لثارات الحسين بن علي! ثم قال : يا غلام! عليّ بدرعي وسلاحي ، فصب الدرع على بدنه وهو يتمثل بقول مروان بن الحكم :
قد علمت بيضاء حسناء الكلل |
|
واضحة الخدين عجزاء الكفل |
إني غداة الروع مقدام بطل |
|
لا عاجز فيها ولا وغد فشل |
ثم خرج المختار من منزله على فرس له أدهم أغرّ محجّل ومعه إبراهيم على كميت له أرثم (١) وقد رفعت بين أيديهم النيران في هراوي القصب ، والناس ينادون من كل ناحية وجانب : يا لثارات الحسين! فاجتمع الناس الى المختار من كل جهة ، وجاءه عبيد الله بن الحر في قومه وعشيرته ، وجعل إبراهيم بن مالك يدخل السكك التي فيها الامراء والقواد والجند الكثير ، فيهجم عليهم هو والمختار وعبيد الله بن الحر ، فيكشفونهم مرّة بعد اخرى ، والمختار يقول : اللهم! إنّك تعلم أنا إنما غضبنا لأهل بيت نبيك فانصرنا على من قتلهم وظلمهم ، وتمم لنا دعوتنا إنّك على كل شيء قدير.
فبينا هم كذلك وإذا بسويد بن عبد الرحمن من أصحاب عبد الله بن مطيع قد أقبل في خيل عظيمة وجحفل لجب ، فنظر إليهم إبراهيم ، وقال للمختار : مكانك أيها الأمير! ذرني وهؤلاء ، ثم نادى إبراهيم في أصحابه : يا شرطة الله! إليّ إليّ ، فأحاط به قومه من قبائل مذحج والنخع ، فقال لهم : انزلوا عن دوابكم فأنتم أولى بالنصر والظفر من هؤلاء الفساق الذين خاضوا في دماء آل محمّد عليهمالسلام ، فنزل القوم ونزل معهم إبراهيم ، ثم دنوا من القوم فطاعنوهم وضاربوهم فهزموهم حتى بلغوا بهم الى الكناسة ، فاستوى إبراهيم وأصحابه على دوابهم ، وجاءوا إلى المختار على مسجد
__________________
(١) الأرثم : الفرس الذي في طرف أنفه بياض.