من حيطان الكوفة ، فجعل ينظر في هذه العساكر ، فقوم صلوا وقوم لم يصلوا بعد ، وإذا إمام القوم يقرأ بهم سورة : (إِذا زُلْزِلَتِ) ، فقال : أرجوا أن يزلزل الله بكم الأرض سريعا. ثم قرأ : (وَالْعادِياتِ) ، فقال : أرجو أن تكون الغارة عليكم سريعا.
قال : وأقبل مسعر بن أبي مسعر الحنفي إلى المختار فقال : أيها الأمير! وافتك العساكر يتلو بعضها بعضا مستعدين للحرب عازمين على الموت فاصنع ما أنت صانع.
فقال له المختار : لا تخف يا أخا حنيفة! فإن الله تعالى كاسر شوكتهم وهازمهم الساعة ، وأصحرت العساكر إلى المختار ، فكان كلما نظر إلى قائد من قواد ابن مطيع وجه إليه قائدا من قواده بمثل قوته وعدده ، فاشتدّ القتال وعلت الأصوات وارتفع الغبار ، فجعل إبراهيم يحمل من ناحية ؛ وعبيد الله بن الحر من ناحية اخرى ، والمختار تارة يحرض على القتال ويشجع الأبطال ، وتارة يحمل بنفسه على الرجال ، حتى إذا كان وقت الضحى انهزم أصحاب ابن مطيع هزيمة شنيعة ، وقتل منهم جماعة فصاح شبث بن ربعي : ويلكم يا حماة السوء! أتنهزمون من عبيدكم وأراذلكم؟ فتراجع الناس واقتتلوا ساعة ، ثم انهزموا ثانيا حتى دخلوا أزقّة الكوفة ، فوقف المختار على أفواه السكك ، وأمر أصحابه بالنزال والقتال ، فاقتتلوا هناك قتالا لم يسمع بمثله ، وجعل السائب بن مالك الأشتر أخو إبراهيم يصيح : يا شيعة آل محمد! إنكم كنتم قبل اليوم تقطع أيديكم وأرجلكم من خلاف وتسمل أعينكم ، وتصلبون أحياء على جذوع النخل ، وأنتم إذ ذلك في منازلكم لا تقاتلون أحدا من هؤلاء ، فما ظنكم بهم اليوم بعد هذا القتل ، فهم لو ظهروا عليكم ما ذا يفعلون بكم؟ فالله الله ، في أنفسكم وأولادكم وأهاليكم ،