قال أبو مخنف : إنّ رؤساء أهل الكوفة والقواد دخلوا معه القصر ، غير عمرو بن حريث فإنه فرّ إلى البادية فما عرف له أثر ، ولما اغلق باب القصر تفرق الناس إلى منازلهم هاربين ، وأقبلت أهل الخيل الى القصر فأحاطت به ، فقال عبد الله بن مطيع : أيها الناس ربما غلب أهل الباطل على أهل الحق ، فقد ترون غلبة المختار علينا فأشيروا برأيكم.
فقال له شبث بن ربعي : الرأي أن تأخذ لنفسك من هذا الرّجل أمانا ثم تخرج ونخرج معك بأمانك ، وإلّا دام الحصار علينا في القصر ولم يشعر بنا أحد ، فقال ابن مطيع : ويل لك ولرأيك السخيف! أآخذ لنفسي أمانا وامور أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير مستقيمة بالحجاز وأرض البصرة والشرق عن آخرها؟ فقال شبث : أيها الأمير! فاخرج من القصر ولا يشعر بك أحد ، وصر إلى من تثق به من أهل هذا المصر فتنزل عنده أياما حتى يسكن شرّ المختار وشر أصحابه فتخرج أنت وتلحق بصاحبك ، ووافقه على هذا الرأي عامة من كان عنده من الرؤساء.
فعزم ابن مطيع على ذلك ، فلما جاء الليل جمع ابن مطيع أصحابه وقال لهم : إني رأيت أن أخرج من هذا القصر ، فلا يتبعني أحد ، ثم خرج متنكرا في زي امرأة ، فأخذ على درب الروميين حتى صار إلى دار أبي موسى الأشعري فدخلها ، وعلم به آل أبي موسى فآووه وكتموا عليه أمره ، وأصبح من كان في القصر من أصحابه يضجون ويطلبون الأمان ، فأعطاهم إبراهيم الأمان فخرجوا بالأمان إلى المختار فبايعوه وأخبروه بخروج ابن مطيع ، فقال المختار : وما علينا من ابن مطيع؟ ذاك رجل كان بالكوفة أميرا فلم يجد بدا من القتال. ثم نادى المختار في الناس ، فأعطاهم الأمان وبايعه الناس أجمعون ، ثم فتح بيت مال الكوفة فوجد فيه تسعة آلاف درهم