ما وراءك يا بني؟ فقال له : ورائي إنّ هذا الرجل ظهر على الكوفة وسائر البلاد ، وقد استوسق له الأمر وأطاعه الناس جميعا ، وقد سأل عنك وذكرك وأخاف أن يبطش بقتلة الحسين ، فلم يغادر منهم أحدا ، وأنت ممن أساء الى الحسين ، وليس جلوسك هنا بشيء ، لأنه ليس معك جيش تمتنع به ، وأنت بالكوفة أعزّ منك هنا.
فتبسم محمد وقال : يا بني! إني قد علمت بأنك لم تأتني وتعرض عليّ هذا الرأي إلّا خوفا من المختار ، ثمّ التفت إلى من كان عنده فقال : إنّ ابني هذا له نخل بالكوفة على شاطئ الفرات ، وإنما يريد أن أكون بالكوفة حتى يأمن هو في نخله وماله ، ولا يضره ما يفعل بأبيه ، وأنا لست ابالي بذلك النخل ، كان أو لم يكن ، ولم يزل عبد الرحمن يلين لأبيه تارة ويشتدّ تارة ، ويرغبه تارة ويخوفه اخرى حتى أجابه إلى ما أراد ، وقدم معه الكوفة ، ودخل على المختار وسلّم عليه ؛ فقربه وأدناه ومنّاه. وجعل المختار يجلس غدوة وعشية فيقضي بين الخصمين بنفسه فإذا أعاقه عائق أمر شريحا أن يجلس فيقضي ، فقال له الناس : إنه عثماني الرأي ، وأنه شهد على حجر بن عدي ، وأنه لم يبلغ عن هاني بن عروة ما أرسله به إلى قومه ، وأنه كان عليّ عليهالسلام قد عزله عن القضاء ، فخافهم شريح فتمارض ، فجعل المختار مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود فمرض ، فجعل مكانه عبد الله بن مالك الطائي وأحب الناس المختار حبا شديدا ودر له حلب البلاد وحمل إليه الخراج من جميع عماله.
ثم إن المختار أرسل الى وجوه أصحابه فجمعهم عنده وقال : إنه والله ، إني ليس يسوغ لي الطعام ولا احبّ أن اروى من الماء وقتلة الحسين بن علي أحياء يمشون في الأرض ، وقد استوسق لي الأمر ؛ وأطاعني الناس بسببهم ،