فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ويحك! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟!
فقال : بأبي أنت وأمي ، أما هذه ففي النفس منها شئ.
قال العباس : فقلت له : ويحك! تشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقك.
قال : فتشهد (١).
فهنا يبدو واضحا أن أبا سفيان كان أكثر بطئا في قبول الشهادة الثانية من الأولى ، لأن الثانية تعني تحطيم غروره وجبروته وموقعه السياسي والاجتماعي ، وذلك ما لا تعنيه كثيرا الشهادة الأولى بالنسبة له.
وكان أبو سفيان لما رأى نيران المسلمين وكثرة عددهم ، قد قال للعباس : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ، فقال له العباس : ويحك! إنها النبوة ، فقال : نعم إذن.
وظل منظر الفكر القرشي على هذه الوتيرة حتى بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وخلافة الشيخين ، فقد ركل قبر حمزة برجله قائلا : قم يا أبا عمارة! إن هذا الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أصبح بيد غلماننا ، وصرح أخرى عند جمع من بني أمية قائلا : تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار وإنما هو الملك.
وحمل ابنه معاوية نفس النزعة الفكرية ـ كما سيأتي توضيحه ـ فصرح حين سمع الشهادة الثانية بما تكن نفسه قائلا : لقد كنت عالي الهمة يا بن عبد الله ، ما رضيت إلا أن تقرن اسمك باسم رب العالمين.
وعلى كل حال ، فإن هذا التفكير القرشي كان ينظر إلى أقوال النبي
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٢ / ٢٤٥.