لا يدل بحال من الأحوال على نهيه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن التدوين.
هذا ، مع أن أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم الصحابة بالحفظ والسماع وتلقي الأحاديث يكون عاما شاملا لحفظ حديثه كتابة أيضا ، لأن حفظ كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يختص بحفظه في الذهن عبر القوة الحافظة ، بل يشمل حفظه بشتى الطرق ، والتي تكون أبلغها الكتابة والتدوين ، وهذا هو معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من حفظ على أمتي أربعين حديثا ...» (١).
فالمحافظة على الحديث النبوي لا يختص بحفظه عن ظهر قلب ، بل يمكن تحققه بتدوينه كتابة ، بل يمكن القول بأن المحافظة عليه بالكتابة هي الأجدر والأنفع ، ولهذا نرى العلماء يؤلفون «الأربعينات الحديثية».
وعليه : فإن الدعوة إلى الحفظ الذهني ، وتخصيص حفظ الحديث بالحفظ عن ظهر قلب ، فيه من المسامحة ما لا خفاء فيه ، إذ جاء عن الصادق عليهالسلام : «القلب يتكل على الكتابة» (٢) وأصرح منه قوله : «اكتبوا ، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا» (٣).
ولو سلمنا عدم إرادة ذلك كله ، فإن لنا أن نقول : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر الصحابة بعدم تدوين كلامه وحديثه ضمن القرآن المجيد ، بل كان يأمر بتدوين القرآن مستقلا ، والحديث مستقلا لئلا يختلطا.
وهذا الذي قلناه يدل عليه ما روي عن أبي هريرة من أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر الصحابة بجمع الكتب فقال : «من كان عنده منها شئ
__________________
(١) أنظر مثلا : مشكاة المصابيح ١ / ١١٧ ح ٢٥٨ ، كنز العمال ١٠ / ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ح ٢٩١٨٢ ـ ٢٩١٩٢ ، إتحاف السادة المتقين ١ / ٧٥ و ٧٧.
(٢) أصول الكافي ١ / ٧٢ ح ١٤٦.
(٣) أصول الكافي ١ / ٧٢ ح ١٤٧.