حسنا .. مرة بالتدريج البطئ ، ومرات أخرى بعمليات اختراق سريعة مفاجئة أشبه ما تكون بالصعقات الكهربائية.
إن مفهوما غربيا وافدا ـ كالحداثة ـ بصيغته المعاصرة لا يجعل تعاملنا معه منطلقا من حسن النية والحيادية!
ونحن وإن كنا نختزن في ذاكرتنا الحضارية العتيدة ركاما هائلا من التجارب والمخزونات ، هي حصيلة هذا السفر الطويل في رحاب المعرفة الإسلامية الفذة ، وتلاقحها مع غيرها ، حتى تشكلت بها كل وجوه التمدن الإسلامي الغابر .. ولم تعد لدينا مشكلة عالقة في مفاهيم التواصل الواثق مع الآخر ـ يومذاك ـ لأن كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
فمفهوم «التحديث والتجديد» مفهوم إسلامي ضارب في كل جذور المعرفة والثقافة الإسلاميتين ، والتواصل مع القديم والتراث من خلال إبرازه بصورة حسنة جديدة ، ماثل لمن شاء أن يتصفح تاريخنا ..
نحن برغم كل ذلك لا نملك إلا أن نقف حذرين بوجه دخول صرعات الحداثة الغربية البائسة إلى واقعنا وثقافتنا اليومية.
والحداثة الغربية ـ بالمناسبة ـ لا تملك هوية ، أو طابعا خاصا ، أو اتجاها محددا ، بل هي مجموعة (حداثات) غير متجانسة ترتدي كل يوم لبوسا مرتبكا مهلهلا ، فهي انعكاس لحال الغرب المعاصر التائه المضطرب!
بل إنها ـ وللحقيقة المحضة ـ جملة تراكمات وإسقاطات هائلة متخلفة من العواصف والهزات الكبرى التي زلزلت الغرب في ماضيه وحاضره!