جعلهما بمنأى عن نزاعات الطموح القرشي الأموي ، وأورث لهما استتباب الأمور بشكل أيسر بكثير ممن لحقهما في الحكم ، إذ ليس هناك معارض إلا العلويين والأنصار المغلوبين.
فما أن تعالت صرخة أبي سفيان : «أغلبكم على هذا الأمر أذل بيت من قريش وأقلها؟!» (١) ، وما أن دعا عليا للمطالبة بالخلافة وتنحية أبي بكر ، حتى عاد وديعا يتحمل إهانة أبي بكر وصرخاته ، وينعم باحتلال أخيه يزيد وابنه معاوية وغيرهما من الأمويين المناصب المرموقة في الخلافة الجديدة ، مما ضمن للجناح الأموي من الكفة القرشية مطامحه ومطامعه في السلطة والسيادة ، وذلك ما أوقف سيل معارضة أبي سفيان.
إلا أن استفحال التكتل الأموي ، أخاف القوة القرشية فقها وسياسة ، فحدا ذلك ـ من بعد ـ بالزعيم القريشي عبد الرحمن بن عوف أن يحدد صلاحيات عثمان الفقهية والسياسية والإدارية ب «سيرة الشيخين» ، باعتبارها ـ في أحد جوانبها ـ الممثل الأمثل والضامن الأكيد للهيمنة القرشية ، والرادع القوي عن التطاول الأموي والاختراق العلوي والأنصاري.
إلا أن الجناح الأموي بدأ يعلن استقلاله بالسلطة في الست الأواخر من حكم عثمان ، حين أبعد عثمان الشخصيات القرشية عن مراكز الخلافة أيضا ، مضافا إلى المبعدين العلويين والأنصار الذين كانوا من قبل مهملين معزولين عن أداء أدوارهم ، مستبدلا بهم شخصيات أموية بحتة (٢).
وهنا انفرد الجناح الأموي ـ أو حاول الانفراد ـ بالسلطة ، فخلق أمامه
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٦ / ٤٠ ، وانظر : أنساب الأشراف ٢ / ٢٧١ ، الإستيعاب ٣ / ٩٧٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٧ ، شرح نهج البلاغة ١ / ٢٢١.
(٢) قد وضحنا هذا من قبل في كتابنا وضوء النبي / المدخل. فراجع.