(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) (٩٠)
____________________________________
حفيرة ونسجر فيها نارا ونقذف فيها كل ما معنا ففعلوا (فَأَخْرَجَ) أى السامرى (لَهُمْ) للقائلين (عِجْلاً) من تلك الحلى المذابة وتأخيره مع كونه مفعولا صريحا عن الجار والمجرور لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم فإن قوله تعالى (جَسَداً) أى جثة ذا دم ولحم أو جسدا من ذهب لا روح له بدل منه وقوله تعالى (لَهُ خُوارٌ) أى صوت عجل نعت له (فَقالُوا) أى السامرى ومن افتتن به أول ما رآه (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) أى غفل عنه وذهب يطلبه فى الطور وهذا حكاية لنتيجة فتنة السامرى فعلا وقولا من جهته تعالى قصدا إلى زيادة تقريرها ثم ترتيب الإنكار عليها لا من جهة القائلين وإلا لقيل فأخرج لنا والحمل على أن عدولهم إلى ضمير الغيبة لبيان أن الإخراج والقول المذكورين للكل لا للعبادة فقط خلاف الظاهر مع أنه مخل باعتذارهم فإن مخالفة بعضهم للسامرى وعدم افتتانهم بتسويله مع كون الإخراج والخطاب لهم مما يهون مخالفته للمعتذرين فافتتانهم بعد ذلك أعظم جناية وأكثر شناعة وأما ما قيل من أن المعتذرين هم الذين لم يعبدوا العجل وأن نسبة الإخلاف إلى أنفسهم وهم برآء منه من قبيل قولهم بنو فلان قتلوا فلانا مع أن القاتل واحد منهم كأنهم قالوا ما وجد الإخلاف فيما بيننا بأمر كنا نملكه بل تمكنت الشبهة فى قلوب العبدة حيث فعل السامرى ما فعل فأخرج لهم ما أخرج وقال ما قال فلم نقدر على صرفهم عن ذلك ولم نفارقهم مخافة ازدياد الفتنة فيقضى بفساده سباق النظم الكريم وسياقه وقوله تعالى (أَفَلا يَرَوْنَ) الخ إنكار وتقبيح من جهته تعالى لحال الضالين والمضلين جميعا وتسفيه لهم فيما أقدموا عليه من المنكر الذى لا يشتبه بطلانه واستحالته على أحد وهو اتخاذه إلها والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى ألا يتفكرون فلا يعلمون (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) أى أنه لا يرجع إليهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا فكيف يتوهمون أنه إله وقرىء يرجع بالنصب قالوا فالرؤية حينئذ بصرية فإن الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين أى ألا ينظرون فلا يبصرون عدم رجعه إليهم قولا من الأقوال وتعليق الإبصار بما ذكر مع كونه أمرا عدميا للتنبيه على كمال ظهوره المستدعى لمزيد تشنيعهم وتركيك عقولهم وقوله تعالى (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) عطف على لا يرجع داخل معه فى حين الرؤية أى أفلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرا أو يجلب لهم نفعا أولا بقدر على أن يضرهم إن لم يعبدوه أو ينفعهم إن عبدوه (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) جملة قسمية مؤكدة لما قبلها من الإنكار والتشنيع ببيان عتوهم واستعصائهم على الرسول إثر بيان مكابرتهم لقضية