(قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (٩٣)
____________________________________
العقول أى وبالله لقد نصح لهم هرون ونبههم على كنه الأمر من قبل رجوع موسى عليهالسلام إليهم وخطابه إياهم بما ذكر من المقالات وقيل من قبل قول السامرى كأنه عليهالسلام أو وما أبصره حين طلع من الحفيرة توهم منهم الافتتان به فسارع إلى تحذيرهم وقال لهم (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) أى أوقعتم فى الفتنة* بالعجل أو أضللتم به على توجيه القصر المستفاد من كلمة إنما إلى نفس الفعل بالقياس إلى مقابله الذى يدعيه القوم لا إلى قيده المذكور بالقياس إلى قيد آخر على معنى إنما فعل بكم الفتنة لا الإرشاد إلى الحق لا على معنى إنما فتنتم بالعجل لا بغيره وقوله تعالى (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) بكسر إن عطفا على إنما إرشاد لهم* إلى الحق إثر زجرهم عن الباطل والتعرض لعنوان الربوبية والرحمة للاعتناء باستمالتهم إلى الحق كما أن التعرض لوصف العجل للاهتمام بالزجر عن الباطل أى إن ربكم المستحق للعبادة هو الرحمن لا غير والفاء فى قوله تعالى (فَاتَّبِعُونِي) لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين أى إذا كان الأمر كذلك فاتبعونى* فى الثبات على الدين (وَأَطِيعُوا أَمْرِي) هذا واتركوا عبادة ما عرفتم شأنه (قالُوا) فى جواب هرون عليه السلام (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ) على العجل وعبادته (عاكِفِينَ) مقيمين (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) جعلوا رجوعه عليهالسلام إليهم غاية لعكوفهم على عبادة العجل لكن لا على طريق الوعد بتركها عند رجوعه عليهالسلام بل بطريق التعليل والتسويف وقد دسوا تحت ذلك أنه عليهالسلام لا يرجع بشىء مبين تعويلا على مقالة السامرى روى أنهم لما قالوه اعتزلهم هرون عليهالسلام فى اثنى عشر ألفا وهم الذين لم يعبدوا العجل فلما رجع موسى عليهالسلام وسمع الصياح وكانوا يرقصون حول العجل قال للسبعين الذين كانوا معه هذا صوت الفتنة فقال لهم ما قال وسمع منهم ما قالوا وقوله تعالى (قالَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية جوابهم لهرون عليهالسلام كأنه قيل فماذا قال موسى لهرون عليهماالسلام حين سمع جوابهم له وهل رضى بسكوته بعد ما شاهد منهم ما شاهد فقيل قال له وهو مغتاظ قد أخذ بلحيته ورأسه (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) بعبادة العجل وبلغوا من المكابرة إلى أن شافهوك بتلك المقالة الشنعاء (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) أى أن تتبعنى على أن لا مزيدة وهو مفعول ثان لمنع وهو عامل فى إذ أى أى شىء منعك حين رؤيتك لضلالهم من أن تتبعنى فى الغضب لله تعالى والمقاتلة مع من كفر به وقيل المعنى ما حملك على أن لا تتبعنى فإن المنع عن الشىء مستلزم للحمل على مقابله وقيل ما منعك أن تلحقنى وتخبرنى بضلالهم فتكون مفارقتك مزجرة لهم وفيه أن نصائح هرون عليهالسلام حيث لم تزجرهم عما كانوا عليه فلأن لا تزجرهم مفارقته إياهم عنه أولى والاعتذار بأنهم إذا علموا أنه يلحقه ويخبره بالقصة يخافون رجوع موسى عليهالسلام فينزجروا عن ذلك بمعزل من حين القبول كيف لا وهم قد صرحوا بأنهم عاكفون عليه إلى حين رجوعه عليهالسلام