(قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) (٩٦)
____________________________________
* (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) أى بالصلابة فى الدين والمحاماة عليه فإن قوله له عليهماالسلام اخلفنى متضمن للأمر بهما حتما فإن الخلافة لا تتحق إلا بمباشرة الخليفة ما كان يباشره المستخلف لو كان حاضرا والهمزة للإنكار التوبيخى والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى ألم تتبعنى أو أخالفتنى فعصيت أمرى (قالَ يَا بْنَ أُمَّ) خص الأم بالإضافة استعظاما لحقها وترقيقا لقلبه لا لما قيل من أنه كان أخاه لأم فإن الجمهور* على أنهما كانا شقيقين (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) أى ولا بشعر رأسى روى أنه عليهالسلام أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله من شدة غيظه وفرط غضبه لله وكان عليهالسلام حديدا متصلبا فى كل شىء* فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل ففعل ما فعل وقوله تعالى (إِنِّي خَشِيتُ) الخ استئناف سيق لتعليل موجب النهى ببيان الداعى إلى ترك المقاتلة وتحقيق أنه غير عاص لأمره بل ممتثل به أى إنى خشيت لو قاتلت* بعضهم بعض وتفانوا وتفرقوا (أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) برأيك مع كونهم أبناء واحد كما ينبىء عنه ذكرهم بذلك العنوان دون القوم ونحوه وأراد عليهالسلام بالتفريق ما يستتبعه القتال من التفريق الذى* لا يرجى بعده الاجتماع (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) يريد به قوله عليهالسلام اخلفنى فى قومى وأصلح الخ يعنى إنى رأيت أن الإصلاح فى حفظ الدهماء والمداراة معهم إلى أن ترجع إليهم فلذلك استأنيتك لتكون أنت المتدارك للأمر حسبما رأيت لا سيما وقد كانوا فى غاية القوة ونحن على القلة والضعف كما يعرب عنه قوله تعالى (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) (قالَ) استئناف وقع جوابا عما نشأ من حكاية ما سلف من اعتذار القوم بإسناد الفساد إلى السامرى واعتذار هرون عليهالسلام كأنه قيل فماذا صنع موسى عليهالسلام بعد سماع ما حكى من الاعتذارين واستقرار أصل الفتنة على السامرى فقيل قال موبخا له هذا شأنهم (فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ) أى ما شأنك وما مطلوبك مما فعلت خاطبه عليهالسلام بذلك ليظهر للناس بطلان كيده باعترافه ويفعل به وبما صنعه من العقاب ما يكون نكالا للمفتونين به ولمن خلفهم من الأمم (قالَ) أى السامرى مجيبا له عليهالسلام (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) بضم الصاد فيهما وقرىء بكسرها فى الأول وفتحها فى الثانى وقرىء بالتاء على الوجهين على خطاب موسى عليهالسلام وقومه أى علمت ما لم يعلمه القوم وفطنت لما لم يفطنوا له أو رأيت ما لم يروه وهو الأنسب بما سيأتى من قوله وكذلك سولت لى نفسى لا سيما على القراءة بالخطاب فإن ادعاء علم ما لم يعلمه موسى عليهالسلام جرأة عظيمة لا تليق بشأنه ولا بمقامه بخلاف ادعاء رؤية ما لم يره