(قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) (٩٧)
____________________________________
عليهالسلام فإنها مما يقع بحسب ما يتفق وقد كان رأى أن جبريل عليهالسلام جاء راكبا فرسا وكان كلما رفع الفرس يديه أو رجليه على الطريق اليبس يخرج من تحته النبات فى الحال فعرف أن له شأنا فأخذ من موطئه حفنة وذلك قوله تعالى (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) وقرىء من أثر فرس الرسول أى من تربة موطىء فرس الملك الذى أرسل إليك ليذهب بك إلى الطور ولعل ذكره بعنوان الرسالة للإشعار بوقوفه على ما لم يقف عليه القوم من الأسرار الإلهية تأكيدا لما صدر به مقالته والتنبيه على وقت أخذ ما أخذه والقبضة المرة من القبض أطلقت على المقبوض مرة وقرىء بضم القاف وهو اسم المقبوض كالغرفة والمضغة وقرىء فقبصت قبصة بالصاد المهملة والأول للأخذ بجميع الكف والثانى بأطراف الأصابع ونحوهما الخضم والقضم (فَنَبَذْتُها) أى فى الحلى المذابة فكان ما كان (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أى ما فعلته من القبض والنبذ فقوله تعالى ذلك إشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده ومحل كذلك فى الأصل النصب على أنه مصدر تشبيهى أى نعت لمصدر محذوف والتقدير سولت لى نفسى تسويلا كائنا مثل ذلك التسويل فقدم على الفعل لإفادة القصر واعتبرت الكاف مقحمة لإفادة تأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة فصار نفس المصدر المؤكد لا نعتا له أى ذلك التزيين البديع زينت لى نفسى ما فعلته لا تزيينا أدنى منه ولذلك فعلته وحاصل جوابه أن ما فعله إنما صدر عنه بمحض اتباع هوى النفس الأمارة بالسوء وإغوائها لا بشىء آخر من البرهان العقلى أو الإلهام الإلهى فعند ذلك (قالَ) عليهالسلام (فَاذْهَبْ) أى من بين الناس وقوله تعالى (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) الخ تعليل لموجب الأمر وفى متعلقة بالاستقرار فى لك أى ثابت لك فى الحياة أو بمحذوف وقع حالا من الكاف والعامل معنى الاستقرار فى الظرف المذكور لاعتماده على ما هو مبتدأ معنى لا بقوله تعالى (أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) لمكان أن أى ثابت لك كائنا فى الحياة أى مدة حياتك أن تفارقهم مفارقة كلية لكن لا بحسب الاختيار بموجب التكليف بل بحسب الاضطرار الملجىء إليها وذلك أنه تعالى رماه بداء عقام لا يكاد يمس أحدا أو بمسه أحد كائنا من كان إلا حما من ساعته حمى شديدة فتحامى الناس وتحاموه وكان يصيح بأقصى طوقه لا مساس وحرم عليهم ملاقاته ومواجهته ومكالمته ومبايعته وغيرها مما يعتاد جريانه فيما بين الناس من المعاملات وصار بين الناس أوحش من القاتل اللاجىء إلى الحرم ومن الوحش النافر فى البرية ويقال إن قومه باق فيهم تلك الحالة إلى اليوم وقرىء لا مساس كفجار وهو علم للمسة ولعل السر فى مقابلة جنايته بتلك العقوبة خاصة ما بينهما من مناسبة التضاد فإنه لما أنشأ الفتنة بما كانت ملابسته سببا لحياة الموات عوقب مما يضاده حيث جعلت ملابسته سببا للحمى التى هى من أسباب موت الأحياء (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً) أى فى الآخرة (لَنْ تُخْلَفَهُ) أى لن يخلفك الله ذلك الوعد بل ينجزه لك البتة بعد ما عاقبك فى الدنيا وقرىء بكسر اللام والأظهر أنه من أخلفت الموعد أى وجدته خلفا وقرىء