(إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) (٩٩)
____________________________________
بالنون على حكاية قوله عزوجل (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) أى ظللت مقيما على عبادته فحذفت اللام الأولى تخفيفا وقرىء بكسر الظاء بنقل حركة اللام إليها (لَنُحَرِّقَنَّهُ) جواب قسم محذوف أى بالنار ويؤيده قراءة لنحرقنه من الإحراق وقيل بالمبرد على أنه مبالغة فى حرق إذا برد بالمبرد ويعضده قراءة لنحرقنه (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ) أى لنذرينه وقرىء بضم السين (فِي الْيَمِّ) رمادا أو مبرودا كأنه هباء (نَسْفاً) بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر ولقد فعل عليهالسلام ذلك كله حينئذ كما يشهد به الأمر بالنظر وإنما لم يصرح به تنبيها على كمال ظهوره واستحالة الخلف فى وعده المؤكد باليمين (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ) استئناف مسوق لتحقيق الحق إثر إبطال الباطل بتلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكل أى إنما معبودكم المستحق للعبادة الله (الَّذِي لا إِلهَ) فى الوجود لشىء من الأشياء (إِلَّا هُوَ) وحده من غير أن يشاركه شىء من الأشياء بوجه من الوجوه التى من جملتها أحكام الألوهية وقرىء الله لا إله إلا هو الرحمن رب العرش وقوله تعالى (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أى وسع علمه كل ما من شأنه أن يعلم بدل من الصلة كأنه قيل إنما إلهكم الله الذى وسع كل شىء علما لا غيره كائنا ما كان فيدخل فيه العجل دخولا أوليا وقرىء وسع بالتشديد فيكون انتصاب علما على المفعولية لأنه على القراءة الأولى فاعل حقيقة وبنقل الفعل إلى التعدية إلى المفعولين صار الفاعل مفعولا أول كأنه قيل وسع علمه كل شىء وبه تم حديث موسى عليهالسلام المذكور لتقرير أمر التوحيد حسبما نطقت به خاتمته وقوله تعالى (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ) كلام مستأنف خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم بطريق الوعد الجميل بتنزيل أمثال ما مر من أنباء الأمم السالفة وذلك إشارة إلى اقتصاص حديث موسى عليهالسلام وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته فى الفضل ومحل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر مقدر أى نقص عليك (مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) من الحوادث الماضية الجارية على الأمم الخالية قصا مثل ذلك القص المار والتقديم للقصر المفيد لزيادة التعيين ومن فى قوله تعالى (مِنْ أَنْباءِ) فى حين النصب إما على أنه مفعول نقص باعتبار مضمونه وإما على أنه متعلق بمحذوف هو صفة للمفعول كما فى قوله تعالى ومنادون ذلك أى جمع دون ذلك والمعنى نقص عليك بعض أنباء ما قد سبق أو بعضا كائنا من أنباء ما قد سبق وقد مر تحقيقه فى تفسير قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) الخ وتأخيره عن عليك لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أى مثل ذلك القص البديع الذى سمعته نقص عليك ما ذكر من الأنباء لا قصا ناقصا عنه تبصرة لك وتوفيرا لعلمك وتكثيرا لمعجزاتك وتذكيرا للمستبصرين من أمتك (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) أى كنابا منطويا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتفكر والاعتبار وكلمة من متعلقة بآتيناك وتنكير ذكرا للتفخيم وتأخيره عن الجار والمجرور لما أن مرجع الإفادة فى الجملة كون المؤتى من لدنه تعالى ذكرا عظيما وقرآنا كريما جامعا لكل كمال لا كون ذلك الذكر مؤتى من لدنه عزوجل مع ما فيه من نوع طول بما بعده من