(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٢٢)
____________________________________
وقع جوابا عما نشأ مما قبله كأنه قيل ماذا يصنعون فى عباداتهم أو كيف يعبدون فقيل يسبحون الخ أو حال من فاعل يستحسرون وكذا قوله تعالى (لا يَفْتُرُونَ) أى لا يتخلل تسبيحهم فترة أصلا بفراغ أو بشغل آخر (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً) حكاية لجناية أخرى من جناياتهم بطريق الإضراب والانتقال من فن إلى فن آخر من التوبيخ إثر تحقيق الحق ببيان أنه تعالى خلق جميع المخلوقات على منهاج الحكمة وأنهم قاطبة تحت ملكوته وقهره وأن عباده مذعنون لطاعته ومثابرون على عبادته منزهون له عن كل مالا يليق بشأنه من الأمور التى من جملتها الأنداد ومعنى الهمزة فى أم المنقطعة إنكار الوقوع لا إنكار الواقع وقوله تعالى (مِنَ الْأَرْضِ) متعلق باتخذوا أو بمحذوف هو صفة لآلهة وأياما كان فالمراد هو التحقير لا التخصيص* وقوله تعالى (هُمْ يُنْشِرُونَ) أى يبعثون الموتى صفة لآلهة وهو الذى يدور عليه الإنكار والتجهيل والتشنيع* لا نفس الاتخاذ فإنه واقع لا محالة أى بل اتخذوا آلهة من الأرض هم خاصة مع حقارتهم وجماديتهم ينشرون الموتى كلا فإن ما اتخذوها آلهة بمعزل من ذلك وهم وإن لم يقولوا بذلك صريحا لكنهم حيث ادعوا لها الإلهية فكأنهم ادعوا لها الإنشار ضرورة أنه من الخصائص الإلهية حتما ومعنى التخصيص فى تقديم الضمير ما أشير إليه من التنبيه على كمال مباينة حالهم للإنشار الموجبة لمزيد الإنكار كما فى قوله تعالى (أَفِي اللهِ شَكٌ) وقوله تعالى (أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) فإن تقديم الجار والمجرور للتنبيه على كمال مباينة أمره تعالى لأن يشك فيه ويستهزأ به ويجوز أن يجعل ذلك من مستتبعات ادعائهم الباطل لأن الألوهية مقتضية للاستقلال بالإبداء والإعادة فحيث ادعوا للأصنام الآلهية فكأنهم ادعوا لها الاستقلال بالإنشار كما أنهم جعلوا بذلك مدعين لأصل الإنشار (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) إبطال لتعدد الإله بإقامة البرهان على انتفائه بل على استحالته وإيراد الجمع لوروده إثر إنكار اتخاذ الآلهة لا لأن للجمعية مدخلا فى الاستدلال وكذا فرض كونها فيهما وإلا بمعنى غير على أنها صفة لآلهة ولا مساغ للاستثناء لاستحالة شمول ما قبلها لما بعدها وإفضائه إلى فساد المعنى لدلالته حينئذ على أن الفساد لكونها فيهما بدونه تعالى ولا للرفع على البدل لأنه متفرع على الاستثناء ومشروط بأن يكون فى كلام غير موجب أى لو كان فى السموات والأرض آلهة غير الله كما هو اعتقادهم الباطل (لَفَسَدَتا) أى لبطلتا بما فيهما جميعا وحيث انتفى التالى علم* انتفاء المقدم قطعا بيان الملازمة أن الإلهية مستلزمة للقدرة على الاستبداد بالتصرف فيهما على الإطلاق تغييرا وتبديلا وإيجادا وإعداما وإحياء وإماتة فبقاؤهما على ما هما عليه إما بتأثير كل منها وهو محال لاستحالة وقوع المعلول المعين بعلل متعددة وإما بتأثير واحد منها فالبواقى بمعزل من الإلهية قطعا واعلم أن جعل التالى فسادهما بعد وجودهما لما أنه اعتبر فى المقدم تعدد الآلهة فيهما وإلا فالبرهان يقضى باسنحالة التعدد على الإطلاق فإنه لو تعدد الإله فإن توافق الكل فى المراد تطاردت عليه القدر وإن تخالفت