(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٤)
____________________________________
* تعاوقت فلا يوجد موجود أصلا وحيث انتفى التالى تعين انتفاء المقدم والفاء فى قوله تعالى (فَسُبْحانَ اللهِ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان أى فسبحوه سبحانه اللائق به ونزهوه عما لا يليق به من الأمور التى من جملتها أن يكون له شريك فى الألوهية وإيراد الجلالة فى موضع الإضمار للإشعار بعلة الحكم فإن الألوهية مناط لجميع صفات كماله التى من جملتها تنزهه تعالى عما لا يليق به ولتربية* المهابة وإدخال الروعة وقوله تعالى (رَبِّ الْعَرْشِ) صفة للاسم الجليل مؤكدة لتنزهه عزوجل (عَمَّا يَصِفُونَ) متعلق بالتسبيح أى فسبحوه عما يصفونه من أن يكون من دونه آلهة (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) استئناف ببيان أنه تعالى لقوة عظمته وعزة سلطانه القاهر بحيث ليس لأحد من مخلوقاته أن يناقشه ويسأله عما يفعل من أفعاله إثر بيان أن ليس له شريك فى الإلهية (وَهُمْ) أى العباد (يُسْئَلُونَ) عما يفعلون نقيرا وقطميرا لأنهم مملوكون له تعالى مستعبدون ففيه وعيد للكفرة (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) إضراب وانتقال من إظهار بطلان كون ما اتخذوه آلهة آلهة حقيقة بإظهار خلوها عن خصائص الإلهية التى من جملتها الإنشاء وإقامة البرهان القاطع على استحالة تعدد الإله على الإطلاق وتفرده سبحانه بالألوهية إلى إظهار بطلان اتخاذهم تلك الآلهة مع عرائها عن تلك الخصائص بالمرة شركاء لله عز سلطانه وتبكيتهم بإلجائهم إلى إقامة البرهان على دعواهم الباطلة وتحقيق أن جميع الكتب السماوية ناطقة بحقية التوحيد وبطلان الإشراك والهمزة لإنكار الاتخاذ المذكور واستقباحه واستعظامه ومن متعلقة باتخذوا والمعنى بل اتخذوا متجاوزين إياه تعالى مع ظهور شئونه الجليلة الموجبة لتفرده بالألوهية آلهة مع ظهور خلوهم* عن خواص الألوهية بالكلية (قُلْ) لهم بطريق التبكيت وإلقام الحجر (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على ما تدعونه من جهة العقل والنقل فإنه لا صحة لقول لا دليل عليه فى الأمور الدينية لا سيما فى مثل هذا الشأن الخطير* وما فى إضافة البرهان إلى ضميرهم من الإشعار بأن لهم برهانا ضرب من التهكم بهم وقوله تعالى (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) إنارة لبرهانه وإشارة إلى أنه مما نطقت به الكتب الإلهية قاطبة وشهدت به ألسنة الرسل المتقدمة كافة وزيادة تهييج لهم على إقامة البرهان لإظهار كمال عجزهم أى هذا الوحى الوارد فى شأن التوحيد المتضمن للبرهان القاطع العقلى ذكر أمتى أى عظتهم وذكر الأمم السالفة قد أقمته فأقيموا أنتم أيضا برهانكم وقيل المعنى هذا كتاب أنزل على أمتى وهذا كتاب أنزل على أمم الأنبياء عليهمالسلام من الكتب الثلاثة والصحف فراجعوها وانظروا هل فى واحد منها غير الأمر بالتوحيد والنهى عن الإشراك ففيه تبكيت لهم متضمن لإثبات نقيض مدعاهم وقرىء بالتنوين والإعمال كقوله تعالى (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) يقيماوبه وبمن الجارة على أن مع اسم هو ظرف كقبل وبعد وقوله تعالى (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ)