(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٢٧)
____________________________________
إضراب من جهته تعالى غير داخل فى الكلام الملقن وانتقال من الأمر بتبكيتهم بمطالبة البرهان إلى بيان أنه لا ينجع فيهم المحاجة بإظهار حقية الحق وبطلان الباطل فإن أكثرهم لا يفهمون الحق ولا يميزون بينه وبين الباطل (فَهُمْ) لأجل ذلك (مُعْرِضُونَ) أى مستمرون على الإعراض عن التوحيد واتباع* الرسول لا يرعوون عما هم عليه من الغى والضلال وإن كررت عليهم البينات والحجج أو معرضون عما ألقى عليهم من البراهين العقلية والنقلية وقرىء الحق بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وسط بين السبب والمسبب تأكيدا للسببية وقوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) استئناف مقرر لما أجمل فيما قبله من كون التوحيد مما نطقت به الكتب الإلهية وأجمعت عليه الرسل عليهمالسلام وقرىء يوحى على صيغة الغائب مبنيا للمفعول وأياما كان فصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضارا لصورة الوحى (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) حكاية لجناية فريق من المشركين جىء بها لإظهار بطلانها وبيان تنزهه تعالى عن ذلك إثر بيان تنزهه سبحانه عن الشركاء على الإطلاق وهم حى من خزاعة يقولون الملائكة بنات الله تعالى ونقل الواحدى أن قريشا وبعض أجناس العرب جهينة وبنى سلمة وخزاعة وبنى مليح يقولون ذلك والتعرض لعنوان الرحمانية المنبئة عن كون جميع ما سواه تعالى مربوبا له تعالى نعمة أو منعما عليه لإبراز كمال شناعة مقالتهم الباطلة (سُبْحانَهُ) أى تنزه بالذات تنزهه اللائق به على أن السبحان مصدر من سبح أى بعد أو أسبحه تسبيحه على أنه علم للتسبيح وهو مقول على ألسنة العباد أو سبحوه تسبيحه وقوله تعالى (بَلْ عِبادٌ) إضراب وإبطال لما قالوه كأنه قيل ليست الملائكة كما قالوا بل هم عباد له تعالى (مُكْرَمُونَ) مقربون عنده وقرىء مكرمون بالتشديد وفيه تنبيه على منشأ غلط القوم وقوله تعالى (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) صفة أخرى لعباد منبئة عن كمال طاعتهم وانقيادهم لأمره تعالى أى لا يقولون شيئا حتى يقوله تعالى أو يأمرهم به وأصله لا يسبق قولهم قوله تعالى فأسند السبق إليهم منسوبا إليه تعالى تنزيلا لسبق قولهم قوله تعالى منزلة سبقهم إياه تعالى لمزيد تنزيههم عن ذلك وللتنبيه على غاية استهجان السبق المعرض به للذين يقولون مالا يقوله الله تعالى وجعل القول محلا للسبق وأداة له ثم أنيب اللام عن الإضافة للاختصار والتجافى عن التكرار وقرىء لا يسبقونه بضم الباء من سابقته فسبقته أسبقه وفيه مزبد استهجان للسبق وإشعار بأن من سبق قوله تعالى فقد تصدى لمغالبته تعالى فى السبق فسبقه فغلبه والعياذ بالله تعالى وزيادة تنزيه لهم عما نفى عنهم ببيان أن ذلك عندهم بمنزلة الغلبة بعد المغالبة فأنى يتوهم صدوره عنهم (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) بيان لتبعيتهم له تعالى فى الأعمال إثر بيان تبعيتهم له تعالى فى الأقوال فإن نفى سبقهم له تعالى بالقول عبارة عن تبعيتهم له تعالى فيه كأنه قيل هم بأمره يقولون وبأمره