(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (٣٠)
____________________________________
يعملون لا بغير أمره أصلا فالقصر المستفاد من تقديم الجار معتبر بالنسبة إلى غير أمره لا إلى أمر غيره (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) استئناف وقع تعليلا لما قبله وتمهيدا لما بعده فإن لعلمهم بإحاطته تعالى بما قدموا وأخروا من الأقوال والأعمال لا يزالون يراقبون أحوالهم فلا يقدمون على قول أو عمل بغير أمره تعالى (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) أن يشفع له مهابة منه تعالى (وَهُمْ) مع ذلك (مِنْ خَشْيَتِهِ) عزوجل (مُشْفِقُونَ) مرتعدون وأصل الخشية الخوف مع التعظيم ولذلك خص بها العلماء والإشفاق الخوف مع الاعتناء فعند تعديته بمن يكون معنى الخوف فيه أظهر وعند تعديته بعلى ينعكس الأمر (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) أى من الملائكة الكلام فيهم وفى كونهم بمعزل مما قالوا فى حقهم (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) متجاوزا إياه تعالى (فَذلِكَ) الذى فرض قوله فرض محال (نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) كسائر المجرمين ولا يغنى عنهم ما ذكر من صفاتهم السنية وأفعالهم المرضية وفيه من الدلالة على قوة ملكوته تعالى وعزة جبروته واستحالة كون الملائكة بحيث يتوهم فى حقهم ما توهمه أولئك الكفرة مالا يخفى (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) مصدر تشبيهى مؤكد لمضمون ما قبله أى مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزى الذين يضعون الأشياء فى غير مواضعها وبتعدون أطوارهم والقصر المستفاد من التقديم معتبر بالنسبة إلى النقصان دون الزيادة أى لا جزاء أنقص منه (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) تجهيل لهم بتقصيرهم فى التدبر فى الآيات التكوينية الدالة على استقلاله تعالى بالألوهية وكون جميع ما سواه مقهورا تحت ملكوته والهمزة* للإنكار والواو للعطف على مقدر وقرىء بغير واو والرؤية قلبية أى ألم يتفكروا ولم يعلموا (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا) أى جماعتا السموات والأرضين كما فى قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا (رَتْقاً) الرتق الضم والالتحام والمعنى إما على حذف المضاف أو هو بمعنى المفعول أى كانتا ذواتى* رتق أو مرتوقتين وقرىء رتقا شيئا رتقا أى مرتوقا (فَفَتَقْناهُما) قال ابن عباس رضى الله عنهما فى رواية عكرمة والحسن البصرى وقتادة وسعيد بن جبير كانتا شيئا واحدا ملتزمين ففصل الله تعالى بينهما ورفع السماء إلى حيث هى وأقر الأرض وقال كعب خلق الله تعالى السموات والأرض ملتصقتين ثم خلق ريحا فتوسطتها ففتقتها وعن الحسن خلق الله تعالى الأرض فى موضع بيت المقدس كيئة الفهر عليها دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات وأمسك الفهر فى موضعها وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) وقال مجاهد والسدى كانت السموات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سموات وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع أرضين وقال ابن عباس فى