(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) (٣٦)
____________________________________
لتأكيد الاعتناء بفحوى الكلام أى هو الذى خلقهن وحده (كُلٌّ) أى كل واحد منهما على أن التنوين عوض عن المضاف إليه (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أى يجرون فى سطح الفلك كالسبح فى الماء والمراد بالفلك الجنس كقولك كساهم الخليفة حلة والجملة حال من الشمس والقمر وجاز انفرادهما بها لعدم اللبس والضمير لهما والجمع باعتبار المطالع وجعل الضمير واو العقلاء لأن السباحة حالهم (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) أى فى الدنيا لكونه مخالفا للحكمة التكوينية والتشريعية (أَفَإِنْ مِتَّ) بمقتضى حكمتنا (فَهُمُ الْخالِدُونَ) نزلت حين قالوا نتربص به ريب المنون والفاء لتعليق الشرطية بما قبلها والهمزة لإنكار مضمونها بعد تقرر القاعدة الكلية النافية لذلك بالمرة والمراد بإنكار خلودهم ونفيه إنكار ما هو مدار له وجودا وعدما من شماتتهم بموته صلىاللهعليهوسلم فإن الشماتة بما يعتريه أيضا مما لا ينبغى أن يصدر عن العاقل كأنه قيل أفإن مت فهم الخالدون حتى يشمتوا بموتك وقوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أى ذائقة مرارة مفارقتها جسدها برهان على ما أنكر من خلودكم (وَنَبْلُوكُمْ) الخطاب إما للناس كافة بطريق التلوين أو للكفرة بطريق الالتفات أى نعاملكم معاملة من يبلوكم (بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) بالبلايا والنعم هل تصبرون وتشكرون أولا (فِتْنَةً) مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) لا إلى غيرنا لا استقلالا ولا اشتراكا فنجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال فهو على الأول وعد ووعيد وعلى الثانى وعيد محض وفيه إيماء إلى أن المقصود من هذه الحياة الدنيا الابتلاء والتعريض للثواب والعقاب وقرىء يرجعون بالياء على الالتفات (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى المشركون (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) أى ما يتخذونك إلا مهزوءا به على معنى قصر معاملتهم معه عليهالسلام على اتخاذهم إياه هزوا لا على معنى قصر اتخاذهم على كونه هزوا كما هو المتبادر كأنه قيل ما يفعلون بك إلا اتخاذك هزوا وقد مر تحقيقه فى قوله تعالى (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) فى سورة الأنعام (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) على إرادة القول أى ويقولون أو قائلين ذلك أى يذكرهم بسوء كما فى قوله تعالى سمعنا فتى يذكرهم الخ وقوله تعالى (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) فى حين النصب على الحالية من ضمير القول المقدر والمعنى أنهم يعيبون عليه عليه الصلاة والسلام أن يذكر آلهتهم التى لا تضر ولا تنفع بالسوء والحال أنهم بذكر الرحمن المنعم عليهم بما يليق به من التوحيد أو بإرشاد الخلق بإرسال الرسل وإنزال الكتب أو بالقرآن كافرون فهم أحقاء بالعيب والإنكار فالضمير الأول مبتدأ خبره كافرون وبذكر متعلق بالخبر والتقدير وهم كافرون بذكر الرحمن والضمير الثانى تأكيد لفظى للأول