(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٣٩)
____________________________________
فوقع الفصل بين العامل ومعموله بالمؤكد وبين المؤكد والمؤكد بالمعمول (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) جعل لفرط استعجاله وقلة صبره كأنه مخلوق منه تنزيلا لما طبع عليه من الأخلاق منزلة ما طبع منه من الأركان إيذانا بغاية لزومه له وعدم انفكاكه عنه ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجاله بالوعيد روى أنها نزلت فى النضر بن الحرث حين استعجل العذاب بقوله اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر الآية وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن المراد بالإنسان آدم عليهالسلام وأنه حين بلغ الروح صدره ولم يتبالغ فيه أراد أن يقوم وروى أنه لما دخل الروح فى عينيه نظر إلى ثمار الجنة ولما دخل جوفه اشتهى الطعام وقيل خلقه الله تعالى فى آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس فأسرع فى خلقه قبل غيبتها فالمعنى خلق الإنسان خلقا ناشئا من عجل فذكره لبيان أنه من دواعى عجلته فى الأمور والأظهر أن المراد به الجنس وإن كان خلقه عليهالسلام ساريا إلى أولاده وقيل العجل الطين بلغة حمير ولا تقريب له ههنا وقوله تعالى (سَأُرِيكُمْ آياتِي) تلوين للخطاب وصرف* له عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المستعجلين بطريق التهديد والوعيد أى سأريكم نقماتى فى الآخرة كعذاب النار وغيره (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) يالإتيان بها والنهى عما جبلت عليه نفوسهم ليقعدوها عن مرادها (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أى وقت مجىء الساعة التى كانوا يوعدون وإنما كانوا يقولونه استعجالا لمجيئه بطريق الاستهزاء والإنكار كما يرشد إليه الجواب لا طلبا لتعيين وقته بطريق الإلزام كما فى سورة الملك (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أى فى وعدكم بأنه يأتينا والخطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين الذين يتلون الآيات الكريمة المنبئة عن مجىء الساعة وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه حسبما حذف فى مثل قوله تعالى (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فإن قولهم متى هذا الوعد استبطاء منهم للموعود وطلب لإتيانه بطريق العجلة فإن ذلك فى قوة الأمر بالإتيان عجلة كأنه قيل فليأتنا بسرعة إن كنتم صادقين (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) استئناف مسوق لبيان شدة هول ما يستعجلونه وفظاعة ما فيه من العذاب وأنهم إنما يستعجلونه لجهلهم بشأنه وإيثار صيغة المضارع فى الشرط وإن كان المعنى على المضى لإفادة استمرار عدم العلم فإن المضارع المنفى الواقع موقع الماضى ليس بنص فى إفادة انتفاء استمرار الفعل بل يفيد استمرار انتفائه أيضا بحسب المقام كما فى قولك لو تحسن إلى لشكرتك فإن المعنى أن انتفاء الشكر لاستمرار انتفاء الإحسان لا لانتفاء استمرار الإحسان ووضع الموصول موضع الضمير للتنبيه بما فى حين الصلة على علة استعجالهم وقوله تعالى (حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) مفعول يعلم وهو عبارة عن الوقت الموعود الذى كانوا