(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١٢)
____________________________________
تعالى على النار أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها أو لأنهم عند الاصطلاء يكتنفونها قياما وقعودا فيشرفون عليها ولما كان الإتيان بهما مترقبا غير محقق الوقوع صدر الجملة بكلمة الترجى وهى إما علة لفعل قد حذف ثقة بما يدل عليه من الأمر بالمكث والإخبار بإيناس النار وتفاديا عن التصريح بما يوحشهم وإما حال من فاعله أى فأذهب إليها لآتيكم أوكى آتيكم أو راجيا أن آتيكم منها بقبس الآية وقد مر تحقيق ذلك مفصلا فى تفسير قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (فَلَمَّا أَتاها) أى النار التى آنسها قال ابن عباس رضى الله عنهما رأى شجرة خضراء أطافت بها من أسفلها إلى أعلاها نار بيضاء تتقد كأضوأ ما يكون فوقف متعجبا من شدة ضوئها وشدة خضرة الشجرة فلا النار تغير خضرتها ولا كثرة ماء الشجرة تغير ضوءها. قالوا النار أربعة أصناف صنف يأكل ولا يشرب وهى نار الدنيا وصنف يشرب ولا يأكل وهى نار الشجر الأخضر وصنف يأكل ويشرب وهى نار جهنم وصنف لا يأكل ولا يشرب وهى نار موسى عليه الصلاة والسلام وقالوا أيضا هى أربعة أنواع نوع له نور وإحراق وهى نار الدنيا ونوع لا نور له ولا إحراق وهى نار الأشجار ونوع له نور بلا إحراق وهى نار موسى عليه الصلاة والسلام ونوع له إحراق بلا نور وهى نار جهنم روى أن الشجرة كانت عوسجة وقيل كانت سمرة (نُودِيَ يا مُوسى) أى نودى فقيل يا موسى (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) أو عومل النداء معاملة القول لكونه ضربا منه وقرىء بالفتح أى بأنى وتكرير الضمير لتأكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة روى أنه لما نودى يا موسى قال عليه الصلاة والسلام من المتكلم فقال الله عزوجل أنا ربك فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال أنا عرفت أنه كلام الله تعالى بأنى أسمعه من جميع الجهات بجميع الأعضاء قلت وذلك لأن سماع ما ليس من شأنه ذلك من الأعضاء ليس إلا من آثار قدرة الخلاق العليم تعالى وتقدس وقيل تلقى عليه الصلاة والسلام كلام رب العزة تلقيا روحانيا ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أمر عليه الصلاة والسلام* بذلك لأن الحفوة أدخل فى التواضع وحسن الأدب ولذلك كان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين وقيل ليباشر الوادى بقدميه تبركا به وقيل لما أن نعليه كانا من جلد حمار غير مدبوغ وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل والمال والفاء لترتيب الأمر على ما قبلها فإن ربوبيته تعالى له عليه الصلاة والسلام من موجبات الأمر ودواعيه وقوله تعالى (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) تعليل لوجوب الخلع المأمور به وبيان* لسبب ورود الأمر بذلك من شرف البقعة وقدسها روى أنه عليه الصلاة والسلام خلعهما وألقاهما وراء الوادى (طُوىً) بضم الطاء غير منون وقرىء منونا وقرىء بالكسر منونا وغير منون فمن نونه أوله* بالمكان دون البقعة وقيل هو كثنى من الطى مصدر لنودى أو المقدس أى نودى نداءين أو قدس مرة