اللاتي تركتهن : فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا كنت ضربت عنقه ، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه ...»(١).
نعم ، زوج أبو بكر الأشعث أخته وأشركه في المهام ، وراح يقرب بني أمية الطلقاء ، ويولي أولاد أبي سفيان الطليق الولايات ، وقد أبقى الأموال بيد أبي سفيان يصرفها كيفما يريد ، كل ذلك حفاظا على النظام القبلي والزعامات القرشية وغيرها التي تخدم الحكومة في تثبيت قواعدها.
إن سياسة الشيخين كانت تبتني على عدم الاستفادة من المال لأنفسهما ولأولادهما ، وقد صرح الإمام علي عليهالسلام بذلك ـ وهو يبين الفرق بين عثمان والشيخين ـ حين قال لعثمان : «أما التسوية بينك وبينهما ، فلست كأحدهما ، إنهما وليا هذا الأمر فظلفا (٢) أنفسهما وأهلهما عنه ، وعمت فيه وقومك عوم السابح في اللجة ...» (٣).
هذا ، وإن عثمان كان قد اعترف بهذه الحقيقة بقوله : «إن أبا بكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما ، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي» (٤) وكذلك الأمر في الولايات ..
لكن ما اشترك فيه الجميع هو تقريب الذوات وأصحاب الرئاسات ، بل استغلال حتى بعض أمهات المؤمنين وذوي النفوذ من الصحابة في هذا الشأن ، كل ذلك من أجل الوصول إلى الهدف ، معرضين عن وجود عيون الصحابة وكبار الأتقياء الصالحين للقيادات ، ليس ذلك إلا لعدم تمتعهم
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٥٢.
(٢) أي : كفا.
(٣) شرح نهج البلاغة ٩ / ١٥.
(٤) أنساب الأشراف ٦ / ١٣٧ ، وانظر مؤدى ذلك في : الطبقات الكبرى ٣ / ٤٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٥٠ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ١٣٨ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٥٦٧.