وكل هذا يدل على أن روايات بعض الغلاة قد نقلت عنهم في حال استقامتهم وهذا هو ما صرح به الشيخ الطوسي قدسسره في تسجيل موقفه الصريح إزاء مروياتهم ، مؤكدا جواز العمل بما رووه في حال استقامتهم وعدمه في حال انحرافهم ، بل حتى ما رووه في حال استقامتهم لم يعمل به الشيخ مطلقا دون قيد أو شرط ، وإنما عامله معاملة الخبر الضعيف الذي لا يمكن القول بجواز العمل به مع وجود ما يشهد بصحته ، وإلا وجب التوقف إزاء ما يروونه الغلاة في الحالتين معا.
وهذا مما لا ينبغي الشك فيه ، فالشيخ بعد أن قرر أن الطائفة روت عن أولئك الغلاة كأبي الخطاب محمد بن أبي زينب ، وأحمد بن هلال ، وابن أبي العزاقر ، قبل انحرافهم وفي حال استقامتهم (١) ، لا يبقى ثمة وجه لمناقشة خبرهم على أساس صدوره بعد انحرافهم ، ولهذا قلنا بأن الشيخ كان ينظر لأخبارهم بتوجس وحيطة على الرغم من صدورها عنهم في حال سلامتهم ..
وأكثر ما يتضح هذا من الشيخ في كتابه الغيبة ـ مع وجود ما يدل عليه أيضا في التهذيب والاستبصار ـ لنكتة مناقشته لجميع ما استدل به المنحرفون في إثبات مدعياتهم وتكذيبهم (٢) ، كما هو الحال في روايات أحمد بن هلال العبرتائي التي أشرنا لها في أمثلة الحديث المردود عند الشيخ في ما تقدم من الحلقة السابقة ، ولا حاجة بنا إلى إعادته.
__________________
(١) أنظر : العدة في أصول الفقه ـ للشيخ الطوسي ـ ١ / ١٣٥ و ١٥١.
(٢) أنظر على سبيل المثال : الغيبة ـ للشيخ الطوسي ـ : ٥٥ ح ٤٨.