من ذلك ، لم يسلموا لأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا ، وفي مقدمتهم أحد الصحابة ممن يحسب من الخاصة ، فقد ذكرت كتب الصحاح والتواريخ شدة اعتراضه ورده لأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى إنه ارتاب في دينه ، وقد قال تعالى : (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون * قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شئ عليم) (١) وقال : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (٢).
ولذلك قدمنا في بيان آيات سورة الحشر أن اصطلاحات «الفقراء المهاجرين» ... و «الصادقين» لا تعم كل من صحب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكان من الكثير ممن في ركبه صلىاللهعليهوآلهوسلم حالة عدم انصياع وعدم استجابة وعدم ائتمار ، حتى دخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خيمته مغضبا فاستخبرته الحال أم سلمة ، فأشارت عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يبتدر ويحلق فسيضطرون إلى متابعته ، فلما رأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منهم مثل ذلك استوثق منهم بالبيعة تحت الشجرة كي لا يصدر منهم نكول مرة أخرى ، فالبيعة أخذت لإنشاء التعهد والوفاء والالتزام بمقتضى الشهادتين التي أقروا بها.
ومن ذلك كله يفهم أن «الرضا» في الآية كان بعد اعتراض كثير من الصحابة ـ ممن بايع بعد ذلك ـ على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحصول حالة من عدم التسليم والنكول بينهم ، وما يوجب السخط الإلهي عليهم ، ومع ذلك فإن
__________________
(١) سورة الحجرات ٤٩ : ١٥ و ١٦.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٦.