قال : إن العلم صفة تصح بها من الحي القادر إحكام الفعل وإتقانه. وفائدة هذا القول إبطال قول القدرية في دعواها أن كثيرا من الأفعال المحكمة المتقنة يقع ممن لا علم له بها على سبيل التولّد. واختلفت القدرية في حد العلم : فزعم الكعبي إنه اعتقاد الشيء على ما هو به وزعم الجبائيّ أنه اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة أو دلالة وزعم ابنه أبو هاشم أنه اعتقاد الشيء على ما هو به مع سكون النفس إليه. وهذه الحدود الثلاثة منتقضة بالعلم باستحالة المحالات فإن العلم بها ليس هو علم بشيء لأن المحال ليس بشيء ومع ذلك يتعلق العلم بكون المحال محالا وإن كان ليس بشيء بالاتفاق لأن المعدوم عندهم إنما يكون شيئا إذا كان جائز الوجود مثل الجوهر والعرض فأما ما يستحيل وجوده فلا يكون شيئا مثل الزوجة والأولاد والشريك لله تعالى. وقيل لهم أيضا لو كان العلم اعتقادا على وجه مخصوص لوجب أن يكون كلّ عالم معتقدا والله سبحانه وتعالى عالم وليس بمعتقد فبطل تحديد العلم بالاعتقاد. وزعم النظّام أن العلم حركة من حركات القلب والإرادة عنده من حركات القلب أيضا. فقد خلط العلم بالإرادة مع اختلاف جنسهما.
المسألة الثانية من هذا الأصل
في إثبات العلم والحقائق
والخلاف في هذه المسألة مع السوفسطائية. وهم فرق :
ـ فرقة زعمت أنه لا حقيقة لشيء ولا علم بشيء وهؤلاء معاندون وينبغي أن يعاملوا بالضرب والتأديب وأخذ الأموال منهم فإذا اشتكوا من ألم الضرب وطالبوا أموالهم قيل لهم إن لم يكن لكم ولا لأموالكم حقيقة لما تشتكون من الألم فما هذا الضّجر ولم تطلبون ما لا حقيقة له؟ وقيل لهم : هل لنفي الحقائق حقيقة؟ فإن قالوا : نعم ، أثبتوا بعض الحقائق وإن قالوا لا قيل لهم إذا لم يكن لنفي الحقائق حقيقة ولم يصحّ نفيها فقد صح ثبوتها وقيل لهم هل تعلمون أنه لا علم فإن قالوا