والاستدلال طريقا إلى العلم بصحة شيء ما ، وهذا خلاف قولهم ، وإن قالوا : بالحس قيل لهم : إن العلوم بالحس يشترك في معرفته أهل الحواس السليمة فما بالنا لا نعرف صحة قولكم بحواسنا؟ فإن قالوا : إنكم قد عرفتم صحة قولنا بالحس ولكنكم جحدتم ما عرفتموه لم ينفصلوا (١) ممن عكس عليهم هذه الدعوى وقال لهم بل أنتم عارفون بصحة قول مخالفيكم وفساد قولكم بالضرورة الحسية لكنكم جحدتم ما عرفتموه حسّا وإذا تعارض القولان بطلا وصح أن الطريق إلى العلم بصحة الأديان إنما هو النظر والاستدلال.
المسألة السابعة من الأصل الأول
في إثبات الخبر المتواتر طريقا إلى العلم
والخلاف في هذه المسألة من وجهين : أحدهما مع البراهمة والسّمنيّة في إنكارهما وقوع العلم من جهة الأخبار المتواترة ويكذّبهم في ذلك علمهم بالبلدان التي لم يدخلوها والأمم والملوك الماضية وبظهور المدّعين للنبوات (٢) فإنهم وإن نازعوا في صدقهم عالمون بظهورهم وظهور دعاويهم وعلمهم بذلك كله ضروري لا شك لهم فيه ولا طريق لهم إليه إلا من جهة الخبر المتواتر الذي لا يصح التواطي عليه. والخلاف الثاني : مع قوم أثبتوا وقوع العلم من جهة التواتر لكنهم زعموا أن العلم الواقع عنه يكون مكتسبا لا ضروريا. ودليل كونه ضروريا امتناع وقوع الشك في المعلوم به كما يمتنع ذلك في المعلوم بالحواس والبداءة.
المسألة الثامنة من هذا الأصل
في بيان أقسام الأخبار
والأخبار عندنا على ثلاثة أقسام : تواتر وآحاد ومتوسط بينهما مستفيض جار مجرى التواتر في بعض أحكامه.
__________________
(١) [لم يتفصوا].
(٢) [ومع النظامية حيث قالوا يجوز ان يجتمع الأمة على الخطباء فإن الأخبار المتواترة لا حجة فيها لأنها يجوز ان يكون وقوعها كذبا فطعنوا في الصحابة وابطلوا القياس في الشريعة].