وأنت خبير بأنّ من أصناف الوضّاعين قوم يُنسبون إلى الزهد كما هو مذكور في كتب الموضوعات (١) ، ولست أعني أنّ كلّ زاهدٍ وضّاع ـ حاشا لله ـ بل المقصود أنّ أكثر هؤلاء القوم لا يتحاشون الكذب ولو على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يتحرّجون من ذلك ؛ لتظاهرهم بالزهد وهم خلوٌّ منه في الوقت نفسه!
وقد ذكر شيخنا العلاّمة الأميني ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه الغدير طائفة من أُولئك الزهّاد الكذّابين والمتقشّفين الوضّاعين (٢).
وقال يحيى بن سعيد القطّان : لم نرَ الصالحين في شيءٍ أكذب منهم في الحديث (٣).
وقال أيضاً : ما رأيت الكذب في أحدٍ أكثر منه في من يُنسب إلى الخير والزهد (٤).
فلا يبعد أن يكون إخبار ابن عثّام من هذا القبيل جرياً على ديدن زهّاد ذلك الزمان ، أو أن يكـون قلّد في ذلك بعض من سبقه ممّن يقول
___________
(١) انظر ذلك ـ على سبيل المثال ـ في ترجمة :
* جعفر بن الزبير ؛ قال عنه ابن حبّان : يروي عن القاسم وغيره أشياء موضوعة ، وكان ممّن غلب عليه التقشّف. تهذيب التهذيب ٢ / ٩٢ طبعة حيدر آباد الدكن ، اللآلئ المصنوعة ١ / ١٧.
* إبراهيم بن محمّـد الآمدي الخوّاص ؛ أحد الزهّاد ، قال ابن طاهر : أحاديثه موضوعة. لسان الميزان ١ / ٩٩ رقم ٢٩٤ طبعة حيدر آباد الدكن.
* معلّى بن صبيح الموصلي ؛ قال ابن عمّار : كان من عبّاد الموصل ، وكان يضع الحديث ويكذب. لسان الميزان ٦ / ٦٤ رقم ٩٤٧ طبعة حيدر آباد الدكن.
(٢) الغـدير ٥ / ٢٧٥ ـ ٢٩٦.
(٣) انظر : صحيح مسلم ـ المقدّمة ـ ١ / ١٣ ، تاريخ بغـداد ٢ / ٩٨.
(٤) نقله عنه السيوطي في اللآلئ المصنوعة ٢ / ٣٩٠.