ويؤيّد ذلك أنّ نسخ الجمـهرة التي بأيـدي الناس اليوم هي من رواية أبي سعيد الحسن بن الحسين السكّري ، عن شيخه أبي جعفر محمّـد بن حبيب بن أُميّة البغدادي ، عن هشام بن محمّـد بن السائب الكلبي ..
والسكّري قد زاد في متن جمهرة النسب أشياء نبّه على بعضها بقوله : «قال أبو سـعيد» ، وزاد أشـياء أُخر لـم ينبّه على إنّها من زياداتـه لأمرٍ ما ، الله أعلم بهرحمه الله فلذلك قد يظنّ بعض مَن لا فطنة له بدقائق الأُمور أنّها من الأصل ، وليس كذلك (١).
وما نحن فيه من هذا القبيل ، إذ كيف يثبت ابن الكلبي في جمهرته قولاً لم يذهب إليه إلاّ شواذّ الناس ـ ممّن لا يخفى أمره وحاله ـ في التشبّث بتلك المقالة الواهية ، ويدع ذِكر ما اشتهر بين الخلائق وتواتر بين الأنام منذ الصدر الأوّل.
وإذا كان هشام بن السائب رافضيّاً ـ كما زعموا ـ فإنّ الرافضة قد اتّفقوا قولاً واحداً على أنّه لم يولد في الكعبة المعظّمة مولود سوى عليّ بن أبي طالب عليه السلام لا قبله ولا بعده ..
وحينئذٍ فإمّا أن يكون ابن الكلبي قد اقتصر في أصل الجمهرة على ذِكر ولادة عليّ عليه السلام في البيت الحرام حسب ، أو ذَكر مع ذلك ولادة حكيم ابن حزام قولاً ، أو أهمل ذكرهما جميعاً ، فينكشف بذلك تصرّف السكّري وقبح صنيعه.
وليـته اقتصـر على كتاب هشام ، بل عمـد إلى كتاب المحبّـر لشيخه ابن حبيب البغدادي ، فزاد عليه ودسّ فيه ما شاء ، دون أن ينبّه على
___________
(١) كما ذكر ذلك الدكتور حسن ناجي في مقدّمة «الجمهرة» ص ١٠.