جزء من الأيمان ، وليس الأيمان الاعتقاد وحده ، فمن اعتقد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدا رسول الله ثم لم يعمل بفرض الدين وارتكب الكبائر كان كافرا. ويترتب على ذلك أنّ الأمويين فى نظر الخوارج كافرون ولا حقّ لهم فى الخلافة ، وعلى الخوارج محاربتهم حتى يدخلوا مذهبهم. وقاتل الخوارج الأمويين.
وعلى الطرف الآخر من الخوارج وقف المرجئة الذين جعلوا الأيمان مجرد الاعتقاد القلبى وليست التكاليف من صلاة وصيام ونحوها جزءا من الإيمان ، ولا يخرج الإنسان عن إيمانه ارتكاب الكبائر ، وهؤلاء طبقوا نظريتهم هذه على كل ما حدث من الخلافات السياسية والدينية بين المسلمين ، فليس عثمان وأنصاره ولا الخارجون عليه ، بكافرين ، ولا علىّ وأتباعه وعائشة وأتباعها يوم الجمل ، بخارجين عن الاسلام ، ولا من انضم تحت لواء علىّ يوم صفّين بكافرين ، بل المسألة فوق ذلك قلبية بحتة.
ومن ثمّ بنى أمية مؤمنون مهما ارتكبوا.
ولم تر طائفة من المفكرين رأى الخوارج فى المؤمن ، ولا رأى المرجئة فيه ، ورأت أن مرتكب الكبيرة ليس كافرا ولا فاسقا ، لأنه قد شهد الشهادة وعمل أعمال الخير عدا هذه الكبيرة ، فهو فى منزلة بين المنزلتين.
بهذا قال واصل ـ رأس طائفة المعتزلة الجدد ، الذين هم ـ استمرار فى ميدان الفكر والنظر ـ للمعتزلة السياسيين أو العمليين (١).
وفى العصر الأموى ، تتعقد الحياة الفكرية لكثرة جداول النقاش ، بالإضافة إلى السياسة التى اتخذها الأمويون نحو المسلمين ، فقد كانوا لا يهتمون إلا بأن يستقر الأمن وتستكين النفوس إلى الحكم القائم. وأوهم الحكام جماهيرهم ، بأن الأمويين لا حيلة لهم فى شىء ، إنما هو قدر من الله وجبر ، فعليهم الطاعة والاستسلام ـ ورأى جماعة من خلّص التّابعين ، أن الأمر ليس لهم ، وأن الدنيا تغيرت ، وأن شرع الله لا يأبه به حاكم ولا محكوم ، فآثروا العزلة وعلى رأسهم
__________________
(١) كارل نيلينو ـ «بحوث فى المعتزلة». ضمن كتاب التراث اليونانى فى الحضارة الاسلامية ص ١٩١ ط النهضة المصرية سنة ١٩٤٠ م القاهرة ـ ترجمة عبد الرحمن بدوى. وانظر مقدمة دكتور نيبرج لكتاب «الانتصار» للخياط وذلك فى ص ٥١ ط دار الكتب ١٩٢٥ م.