الحسن البصرى الذى تجنب هو وتلاميذه الفتن السياسية ، وعاشوا جميعا للعلم والدين والتصوف والزهد.
ولكن الأمر يغلو ، والمعصية تجور ، والفساد ينخر فى صلب الناس ، فقام تابعى آخر يقاوم الانحلال والسفك والظلم معلنا «أنه لا قدر والأمر أنف» أى خارج عن إطار القدريّة المزعومة وكان هذا التابعى معبد بن خالد الجهنى (١).
وتظهر شخصية أخرى ، وهو غيلان الدمشقى ، متابعا معبدا فى رأيه فى القدر ، وانطلق ينادى فى الناس : إن الحسنات والخير من الله ، وإن الشّرّ والسيئات من أنفسهم ، لكيلا ينسب إلى الله شيئا من السيئات (٢)
وحين ولى هشام بن عبد الملك خرج غيلان وصاحبه «صالح» إلى أرمينية ، يعيبان على هشام مظالمه ومظالم بنى أمية باسم «الحق الالهى» ، الذى لا مردّ له ، فقتلهما هشام (٣).
كانت هذه هى المباحث القدرية الأولى ، وكان الحسن ـ فى مرحلة من مراحل حياته (٤) ومعبد وغيلان هم المبشرين الأوائل بمذهب الإرادة الحرة (٥).
وقد تأثر واصل بن عطاء بغيلان ويرجّح أنه تأثر بمعبد (٦) أى أن المعتزلة الجدد
__________________
(١) البغدادى ـ الفرق بين الفرق ـ ١٤ و ٩٨ ط القاهرة ١٩١٠ م تحقيق محمد بدر ، والأسفراييني ـ التبصير فى الدين ـ ٢٨ و ٦٤ تحقيق الكوثرى ط القاهرة ١٩٥٥ م ، والشهرستانى ـ الملل والنحل ١ / ٣٠ و ٤٧. والأمر الأنف : الأمر الجديد ، المستأنف ، النابع من الفكر. انظر فيه القاموس ١٠ / ١١٩.
(٢) الأسفراييني ـ التبصير فى الدين ـ ٥٩ و ٦٠.
(٣) ابن المرتضى ـ المنية والأمل ـ ١٦ و ١٧ تحقيق توما أرنولد ١٣١٦ ه القاهرة ، ويبدو أن غيلان كان مرجئيا أيضا ، وقد اعتبره الأشعرى فى مقالات الاسلاميين مرجئيا (١ / ١٣٦) تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد ط النهضة ١٩٥٠ القاهرة. وكذلك البغدادى فى «الفرق بين الفرق» (١٢٣) والإسفرايينى ـ فى التبصير فى الدين (٥٩ و ٦٠).
(٤) الدكتور على سامى النشار ـ نشأة التفكير الفلسفى فى الإسلام ـ ٢٣٤ ط دار المعارف ١٩٦٦ م الرابعة ـ القاهرة.
(٥) نفس المرجع ـ ٣٣٨.
(٦) نفس المرجع ـ ٣٣٦ و ٣٣٩.