قد تأثروا بما ذهب إليه القدرية فى القرن الأول فى حرية الإرادة ، ولكنهم ليسوا فرعا ولا استمرارا للقدرية (١).
ولم تتسمّ المعتزلة باسمها لأن واصلا قد اعتزل الحسن البصرى فى مسجده ... الخ ، فتاريخهم أبعد من هذا ، ولم يكن لهم اسم المعتزلة وحده ، بل تسمّوا بالقدرية نسبة إلى مذهبهم فى القدر ، وبالعدلية نسبة إلى رأيهم فى العدل الإلهي ، وبالموحّدة لأنهم ينادون بالتوحيد ، ولكن أشهر الأسماء إطلاقا (المعتزلة) ، يقول أحمد أمين «أنهم سمّوا المعتزلة لاعتزالهم قول الأمة ، يعنون بذلك ـ أنّهم اشتقّوا لأنفسهم طريقا جديدا ، وساروا فيه وخالفوا غيرهم ، وليس تحولهم من سارية إلى سارية جديدة ـ إن صحّ ـ إلا رمزا لتنحيهم عن هذه الفرق وإنشائهم فرقة جديدة» (٢). ترى رأيها الخاص فى القدر ، وفى صفات الله عزوجل ، وفى خلق القرآن الكريم وفى العقل والنقل.
ولكن ما موقف الأمويين من المعتزلة؟ من البديهى أن ما يهمّ الأمويين هو رأى المعتزلة سياسيا ، ومقياس رضاهم مرتبط برأى المعتزلة فى مرتكب الكبيرة. وفى أصحاب موقعة الجمل ، وفى أصحاب موقعة صفّين.
وسبق أن عرفنا موقف المعتزلة الوسط فى مرتكب الكبيرة ، ولأنهم كانوا يؤمنون بتقدير العقل ، وما يصل إليه من نتائج ، فلم ينظروا إلى صحابة الرسول صلىاللهعليهوسلم نظرة المرجئة ، التى تحاشت الحكم عليهم تبعا لمذهبهم ، ولم يقصروا نظرتهم على مسألة التحكيم فقط. بل أخضعوا جميع الصحابة للنقد الصريح ، بل قل : بالنقد والتجريح ، مثلما صدر من واصل فى عدم جوازه قبول شهادة علىّ وطلحة والزبير على باقة بقل ، ومثل سبّ عمرو بن عبيد لأبى هريرة ، وطعنه فى روايته ... إلى غير ذلك. وكذا نقدوا معاوية وعمر بن العاص ، ولكن يظهر ـ كما يقول أحمد أمين ـ أن الأمويين رأوا فى ذلك من الكسب لهم أكثر من الخسارة ، فهذا فى الأقل يجعل معاوية وعليا فى ميزان نقد واحد ، وفى الغالب ترجح كفّة معاوية وآله ، لأن الدولة دولتهم ، والناس يخشون نقدهم ، ولا يخشون غيرهم ...
__________________
(١) كارل نيلينو ـ بحوث فى المعتزلة ـ ١٩٢.
(٢) أحمد أمين ـ فجر الإسلام ـ ٢٩٥ ، ٢٩٦.