التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فان كملت هذه الخصال فهو معتزلى» (١).
وهذه الأصول الاعتزالية لا نستطيع أن نفهم مقاصدها حق الفهم إلّا بعد أن نقابلها بالأحداث التى أثرت فى تيار التفكير الإسلامى ، وفى مجرى الإسلام دينا ، والقرآن نصا سماويا.
فحين نزل القرآن ، لم يكن نزوله بين قوم سذّج يتلمسون طريقهم إلى السماء فى تعثر ، بل وجد مللا وأديانا سماوية طال بها الزمن ، ومن أجل الوصول بالناس إلى شاطئ الأمان نزل القرآن (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود ـ ١].
وكان فيه خبر عن اليهود وعن انقسامهم أحزابا وشيعا فيما بينهم ، وعن اتخاذهم العجل بعد غيبة موسى (٢) وفيه خبر عن النصارى الذين قالوا (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة ـ ٣٠] كما قالت اليهود (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة ـ ٣٠] وهكذا تحدث عن المشركين وعن منكرى الأديان (٣) وعن المجوس (٤) وعن غيرهم.
وأهمّ نقط الخلاف بين المسلمين واليهود كانت «عدم اعترافهم بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكانت هذه أهم مشكلة من مشكلات الجدل بين النبى وبين الأحبار ، ثم الاعتراف بنبوّة المسيح وقد أنكرها اليهود إنكارا باتا وطعنوا فى مريم طعنا شديدا» (٥) أما ما بين المسلمين والنصارى ، فلم يكن الأمر بينهما فى البدء ، إلّا أحاديث فى لين ورقّة ، ثم اشتدت ، واحتدم النقاش بينهما ، وأهم مشكلة قامت
__________________
(١) الخياط ـ الانتصار ـ ص ٣ ط دار الكتب ١٩٢٥ م تحقيق د. نيبرج.
(٢) انظر قوله تعالى (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ ، أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ، اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) [الأعراف ـ ١٤٨].
(٣) انظر قوله تعالى (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ، نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ، وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [الجاثية ـ ٢٤.]
(٤) انظر قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ ، وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ـ إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ...) [الحج ـ ١٧].
(٥) الدكتور النشار ـ نشأة التفكير الفلسفى فى الإسلام ـ ٤٢ و ٤٣.